Tafsir Sadra al-Muta'allihin
تفسير صدر المتألهين
Genre-genre
فإن الشأن في السماع والإبصار المشهورين انه ترتفع صورة المسموع والمبصر من المواد الخارجية الى لوح الانطباع، ثم منه الى عالم الخيال والمتخيلة. ثم يصعد الأمر الى النفس الناطقة، كما هو المعروف عند الجمهور، والمثبت منهم في الكتب.
وعندنا: النفس ترتفع من المحسوس الى المتخيل، ومنه الى المعقول، والصور ثابتة في أحيازها وعوالمها.
وفي إبصار الملك وسماع الوحي - وهما الإبصار والسماع الصريحان - ينعكس الشأن، فينزل الفيض من عالم الأمر الى النفس، فهي تطالع شيئا من الملكوت مجردة غير مستصحبة لقوة حسية أو خيالية أو وهمية. ثم يفيض من النفس الى القوة الخيالية فتمثل لها الصورة بما انضم اليها من الكلام في الخيال من معدن الإفاضة وصقع الرحمة، ثم تنحدر الصورة المتمثلة والعبارة المنظومة من الخيال والمتخيلة الى الحس الشاهد، بل النفس تنزل من العالم الأعلى الى الأوسط، ثم الى الأدنى، فتشاهد في كل عالم ما يتعارف لها ويناسبها على عكس الحالة الأولى، لأن تلك الحركة عروجية وهذه نزولية، فتسمع الكلام وتبصر الصورة في كل عالم من العوالم الثلاثة.
وهذا أفضل ضروب الوحي والإيحاء، وله أنحاء مختلفة ومراتب متفاضلة بحسب درجات النفس.
وقد يكون في بعض الدرجات لا يتخصص المسموع والمبصر بجهة من جهات العالم بخصوصها، بل الأمر يعم الجهات بأسرها في حالة واحدة، وقد يكون بخلاف ذلك.
وفي الحديث:
" إن الحارث بن هاشم سأل رسول الله (صلى الله عليه وآله): كيف يأتيك الوحي؟ قال: أحيانا يأتيني مثل صلصلة الجرس، وهو أشد علي، فيفصم عني وقد وعيت عنه ما قال. وأحيانا يمثل لي الملك رجلا فيكلمني، فأعي بالقول ".
وربما تكون صقالة النفس النبوية أتم، وتجردها في بعض الأحايين أقوى، وسلطانها على قهر الصوارف الجسدانية والشواغل الهيولانية أعظم، فيكون عند الانصراف عن عالم الحس والاتصال بروح القدس، استيناسها بجوهر ذاته المجردة، أشد منه بالشبح المتمثل، فتشاهد ببصر ذاتها العاقلة الصائرة عقلا بالفعل، معلمها القدسي ومخرجها من حد القوة النفسانية الهيولانية الى حد الكمال العلمي والعقل الصوري، وتستفيد منه وهو في صورة القدسية، العلوم والأحوال، كما قال تعالى:
علمه شديد القوى ذو مرة فاستوى وهو بالأفق الأعلى
[النجم:5 - 8].
Halaman tidak diketahui