Tafsir Sadra al-Muta'allihin
تفسير صدر المتألهين
Genre-genre
ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما
[غافر:7] وهما عين ذاته، فلو كان في الوجود إله غيره فيكون لا محالة منفصل الذات عنه، لاستحالة أن يكون بين الواجبين علاقة وجودية، وإلا لزم معلولية أحدهما، وهو خرق الفرض، فلكل منهما على الفرض المذكور مرتبة من الكمال الوجودي ليس للآخر، ولا منبعثا منه، فايضا من لدنه، فيكون كل منهما عادما لكمال وجودي، فذاته حينئذ لا تكون محض حيثية الفعلية والوجوب، بل يكون ذاته بذاته مصداقا لحصول شيء وفقد شيء آخر، فلا يكون بسيط الحقيقة خالصا بل مزدوجا، والازدواج ينافي الوجوب الذاتي كما مر.
ومن هنا ظهر أن كل بسيط الحقيقة يجب أن يكون كل الوجود وكله الوجود، كما يعلمه الراسخون في العرفان.
وبالجملة، فواجب الوجود يجب أن يكون من فرط التحصيل وكمال الفعلية جامعا لجميع النشئآت الوجودية، فلا مكافئ له في الوجود، ولا ثاني له في الكون، ولا شبيه له ولا ندبل ذاته من تمام الفضيلة يجب أن يكون مستند جميع الكمالات، ومنبع كل الخيرات، فيكون بهذا المعنى تاما وفوق التمام، فهذا هو بيان التوحيد الخاصي، أي نفي المشارك في الوجوب، وقد انجر الى التوحيد الأخصي، وهو نفي المشارك في الوجود.
الفصل الخامس
في أن الباري هو الحق وكل ما سواه باطل دون وجهه الكريم
بيانه: أن العلية والمعلولية - كما ثبت وتقرر - لا يكونان إلا في نفس الوجود لما علمت ان الماهيات لا تأصل لها في الكون ولا في الجعل، وعلمت أيضا أن هوية الشيء وذاته هي عين نحو وجوده الخاص به، فالجاعل جاعل بنفس وجوده، والمجعول مجعول بنفس وجوده جعلا بسيطا، لا بصفة زائدة على نفس هويته الوجودية.
فإذا تقرر هذا فنقول: لما كان كل موجود معلول فهو في حد ذاته متعلق بغيره ومرتبط به، فيجب أن تكون ذاته الوجودية ذاتا تعلقية ووجوده وجودا تعلقيا.
لا بمعنى انه شيء وذلك الشيء موصوف بالتعلق، بل هو بما هو هو عين معنى التعلق بشيء والانتساب إليه، وإلا فلو كانت له هوية غير التعلق والافتقار الى الجاعل، ويكون التعلق والافتقار زائدين على ذاته، فلم يكن ذاته بذاته متعلقا بفاعله مجعولا له، فيكون المجعول بالذات شيئا آخر، وهو خلاف المقدر، ويكون هذا المفروض مجعولا مستقل الحقيقة غير متعلق الهوية بفاعله. فإذا ثبت أن كل علة علة بذاتها، وكل معلول معلول بذاته، وثبت ان ذات الشيء هي وجوده، وان الماهيات امور كلية اعتبارية منتزعة من أنحاء الوجودات بحسب هوياتها، فينكشف ان المسمى بالمعلول، ليست هويته أمرا مباينا لهوية علته المفيضة، ولا يمكن للعقل أن يشير في المعلول إلى هوية منفصلة عن هوية موجده، حتى يكون هناك هويتان مستقلتان في الإشارة العقلية إحداهما مفيضة والأخرى مفاضة، وإلا لم تكن ذاته بذاته مفاضة.
نعم للعقل أن يشير إلى المهيات والأعيان الثابتة، لعدم تعلقها بذواتها إلى علة فاعلة، فإذن المجعول بالجعل البسيط، لا ذات له مباينة لذات مبدعه، فإذا ثبت تناهي سلسلة الموجودات إلى حقيقة واحدة بسيطة، ظهر ان لجميع الموجودات حقيقة واحدة، ذاته بذاته وجود وموجد وهو بحقيقته محقق الحقائق، وبسطوع نوره منور ماهيات السموات والأرض، فهو الحقيقة والباقي شؤونه، وهو الذات وغيره أسماؤه، وهو الأصل وما سواه أطواره وفروعه وحيثياته.
Halaman tidak diketahui