186

Tafsir Sadra al-Muta'allihin

تفسير صدر المتألهين

Genre-genre

وقد تسمى أعمال الجوارح ايمانا استعارة وتلويحا، كما تسمى تصديقا لذلك، كما يقال: فلان يصدق أفعاله مقاله " ، والفعل ليس بتصديق باتفاق أهل اللغة، فالإيمان من الألفاظ المشككة التي يتفاوت معناها في الشدة والضعف، والكمال والنقص، فهو منقسم الى حقيقي ومجازي، باطني وظاهري، بل ينقسم كما أشار اليه بعض العرفاء، الى لب ولب لب، وقشر وقشر قشر وهذا بعينه كانقسام الإنسان الى هذه المراتب، فإن الإيمان من مقامات الإنسان في إنسانيته.

وقد يمثل هذا تقريبا للأفهام الضعيفة بالجوز، فإن له قشرين؛ الأعلى والأسفل، وله لب وللب دهن، وهو لب لبه.

فالمرتبة الأولى من الإيمان: أن يقول الإنسان كلمة الشهادة، ويعترف باللسان وقلبه غافل عنه، أو جاحد له، كما للمنافقين.

والثانية: أن يصدق بمعنى هذه الكلمة، وبكل ما هو معلوم بالضرورة من الدين، كتصديق عامة المسلمين، وهذا اعتقاد ليس بيقين.

والثالثة: أن يعرف هذه المعارف الإيمانية، ويصدق بها عرفانا كشفيا، أو تصديقا برهانيا وعلما يقينيا بواسطة نور يقذفه الله في قلب من يشاء من عباده، وهو المشار اليه في قوله:

يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم

[الحديد:12]. وهذا هو الإيمان الحقيقي، الذي سأل رسول الله (صلى الله عليه وآله) حارثة الأنصاري عن بيان حقيقته لما قال: إني أصبحت مؤمنا حقا، فقال (صلى الله عليه وآله): لكل حق حقيقة، فما حقيقة ايمانك؟

فأجاب بقوله: عزفت نفسي عن الدنيا بما فيها، فاستوى عندي حجرها وذهبها. فكأني أرى أهل الجنة يتزاورون، وأهل النار في النار يتعاوون. وكأني أرى عرش ربي بارزا.

فصدقه رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وقال: أصبت فالزم.

والرابعة: أن يستغرق الإنسان في نور الحضرة الأحدية بحيث لا يرى في الوجود إلا الواحد القهار، فيقول بلسان حاله وايمانه: لمن الملك اليوم؟ ثم يجيب عنه بلغة توحيده وعرفانه: لله الواحد القهار. وهذا المقام لا يحصل لأحد ما دام كونه في هذه الحياة الدنيا إلا للكمل من العرفاء والأولياء بواسطة غلبة سلطان الآخرة على بواطنهم.

Halaman tidak diketahui