138

Tafsir Sadra al-Muta'allihin

تفسير صدر المتألهين

Genre-genre

اعلم - هداك الله تعالى إلى فهم آياته - أن شيخ فلاسفة الإسلام ذهب في رسالة سماها بالنيروزية، إلى أن هذه الحروف أسماء للحقائق الذاتية، بعضها لذات الله تعالى مطلقا، وبعضها لذاته مضافة الى ما أبدعه، وبعضها لمبدعاته مطلقة، وبعضها لها مضافة على الوجه الذي سنذكره، وأقسم الله بهذه الأشياء العظيمة تكريما وتعظيما، ونحن اخترنا مذهبه وتتبعنا أثر كلامه في هذا المرام.

فنقول: لا شبهة أن الله قد أوجد الموجودات المتأصلة على ترتيب ونظام، الأول والثاني والثالث على ترتيب مراتب العدد. لأنه ليس في قوة الكثرة أن تظهر عنه تعالى أولا، كما ليس في قوة الزمان أن يوجد عنه في آن دفعة، ولا في استطاعة الجسم أن يتكون عنه مبدعا، فالترتيب يرتقي بالكثير إلى الواحد الحقيقي بحيث لا تنثلم به وحدته.

وكما ان الواحد مبدأ الأعداد والكثرات كلها على الترتيب الأبسط فالأبسط، فكذلك البار جل كبرياؤه، مبدع الأشياء كلها على ترتيب الأبسط فالأبسط، وهو فاعل الإنيات المتأصلة والأنواع الكاملة قبل شخصياتها الزمانية على الترتيب الإلهي الإبداعي، والنظم الرباني الأحدي أولا وثانيا وثالثا.

وكلما كان الوجود فيه أشرف، كانت الوحدة فيه أتم، وكان في درجة الاستفادة للوجود أقدم، وهكذا إلى أن ينتهي الترتيب النزولي إلى الموجودات الزمانية والمكانية من الجزئيات المتكثرة في التشخص، المتحدة في المعنى والحقيقة، وهي بمنزلة ظلال وأشباح لما في العالم الأعلى الإلهي من الحقائق المتأصلة التامة، التي لا ينفك تمامها عن بدوها.

وإذا سألت عن شيء منها بما هو ولم هو، كان الجواب عنهما واحدا، لأنه تام الوجود لا يعوزه شيء من وجوده، ومن كمال وجوده عنه.

فلكل منها مرتبة خاصة من الوجود لا يمكن أن يتعداه سابقا أو لاحقا، إذ كون كل منهما في مرتبته كالمقوم لذاته، وكما أن الأولية عين ذات المبدإ تعالى، فكذا الثانوية للموجود الذي بعده بعدية ذاتية والثالثية للموجود الذي بعده بوسط واحد، بعدية بالذات، وهكذا الرابع والخامس الى أقصى الوجود.

ثم إن أشرف الموجودات الواقعة بعد مرتبة الواحد الحق الأول، هو عالم العقل والملائكة المقربين.

وهذا العالم جملة مشتملة على موجودات قائمة بلا مواد خالية عن القوة والاستعداد، عقول قادسية طاهرة، وصور مجردة باهرة، ليس في طباعها أن تتغير أو تتكثر أو تتحيز، كلها كشخص واحد متصلة اتصالا روحانيا.

وكلها عشاق إلهيون، مشتاقون الى الأول والاقتداء به، والإظهار لأمره، والابتهاج به، والقرب العقلي منه.

وهم مبتهجون بذات الأول لا بذواتهم، شاعرون به ذاهلون عن ذواتهم، لاضمحلال ظلال إمكاناتهم تحت سطوح النور الأحدي وكبرياء جلاله.

Halaman tidak diketahui