Tafsir Al-Jilani
تفسير الجيلاني
Genre-genre
فألقى الله الرغب في قلوبهم، فرجعوا مستوحشين منهم، لذلك قال سبحانه في حق المؤمنين { للذين أحسنوا } ببذل المهج في سبيل الله، بالخروج مع رسوله { منهم واتقوا } عن مخالفة أمر الله ورسوله { أجر عظيم } [آل عمران: 172] لا أجر أعظم منه، وهو الفوز بالبقاء الأيدي والحياة السرمدية، وهم من كمال إيمانهم بهم.
{ الذين قال لهم الناس } المخبرون لهم، ترحما وتحذيرا: { إن الناس } يعني: أبو سفيان وأصحابه { قد جمعوا لكم } ليكروا عليكم ويستأصلوكم { فاخشوهم } حتى لا يلحقكم شر العدو ثانيا { فزادهم } قول المخبرين { إيمانا } إطاعة وانقيادا وتسليما وإحسانا { وقالوا } في جوابهم من غاية رضاهم ونهاية تفويضهم: { حسبنا الله } وكافينا، يكفينا عنايته لنا في حياتنا ومماتنا { ونعم الوكيل } [آل عمران: 173] هو لمصالحنا، نفوض أمورنا كلها إليه، نعتصم به من سخطه وغضبه.
[3.174-177]
ولما فوضوا أمورهم إلى الله، واعتصموا له، واستنصروا منه، وتوكلوا عليه، قذف في قلوب عدوهم الرعب فهربوا { فانقلبوا } رجعوا من حمراء الأسد { بنعمة } عظيمة { من الله } جزاء ما صبروا { وفضل } زيادة عطاء لهم تفضلا وامتنانا؛ لتحققهم في مقام الرضاء بما أصابهم من القضاء { لم يمسسهم سوء } أصلا بعدما أصابوا يوم أحد، بل صاروا غالبين دائما على الأعداء { و } ذلك لأنهم { اتبعوا رضوان الله } ومتابعة رسوله بلا ميل منهم إلى هوية نفوسهم { والله } المجاري لعباده { ذو فضل عظيم } [آل عمران: 174] ولطف جسيم على من هو من أهل الرضا والتسليم.
{ إنما ذلكم } المخبرون، المخوفون لكم، هم { الشيطان } وأتباعه، ما { يخوف } من الأعداء إلا { أولياءه } وهم المنافقون { فلا تخافوهم } أيها المؤمنون؛ إذ الله معكم يحفظكم عما يضركم { وخافون } من إطاعة الشيطان ومتابعته، حتى لا يلحقكم غضبي وسخطي { إن كنتم مؤمنين } [آل عمران: 175] موقنين بقدرتي على الإنعام والانتقام.
{ ولا يحزنك } ضرر { الذين يسارعون } يوقعون أنفسهم { في الكفر } سريعا في المنافقين الذين يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم { إنهم } إذ هم بسبب كفرهم { لن يضروا الله شيئا } بل ضرر كفرهم إنما يعود إليهم؛ لا حق بهم { يريد الله } المقد لكفرهم { ألا يجعل لهم حظا } نصيبا { في } النشأة { الآخرة } لذلك أقدرهم على الكفر { و } هيأ { لهم عذاب عظيم } [آل عمران: 176] هو عذاب الطرد والخذلان، والحسرة والحرمان؛ جزاء لكفرهم ونفاقهم.
ثم برهن عليه سبحانه بقوله: { إن الذين اشتروا } استبدلوا { الكفر بالإيمان } من غاية نفاقهم { لن يضروا الله شيئا } بسبب هذا الاستبدال والاختيار، بل { ولهم عذاب أليم } [آل عمران: 177] مؤلم في الدنيا بالقتل والسبي والإجلاء، وفي الآخرة بالحرمان عن مرتبة الإنسان.
[3.178-180]
{ ولا يحسبن } المفسر بقراءة: " ولا تحسبن " يا أكمل الرسل { الذين كفروا أنما نملي لهم } أي: إمهالنا إياهم في النشأة الأولى { خير لأنفسهم } ولهم فيه نفع وعزة، بل { إنما نملي لهم ليزدادوا إثما } موجبا للعذاب { ولهم } في النشأة الأخرى { عذاب مهين } [آل عمران: 178] مذل ومخز؛ جزاء لاستكبارهم واستعدائهم في الدنيا.
ثم لما اختلط المنافقون مع المؤمنين، وتشاركوا في إظهار الإيمان، والقول به على طرفي اللسان بلا اعتقاد منهم وإخلاص، أراد سبحانه أن يبين ويميز المؤمن من المنافق، والمخلص من المرائي فقال: { ما كان الله } المطلع لضمائر عباده { ليذر } وليترك { المؤمنين } المخلصين { على مآ أنتم عليه } من الالتباس والمشاركة مع اهل الكفر والنفاق بحسب الظاهر، بل يختبر ويمتحن إخلاصكم بأنواع البليات والمصيبات { حتى يميز } ويفصل { الخبيث } المنافق، المصر على النفاق { من الطيب } المؤمن، الموقن بتوحيد الله، الراضي بما جرى عليه من قضائه.
Halaman tidak diketahui