Tafsir Al-Jilani
تفسير الجيلاني
Genre-genre
{ وأما الذين ابيضت وجوههم } عن دنس التعليقات ورين الإضافات، واضمحلت هوياتهم في هوية الحق، وارتفعت الحجب والأستار المانعة عن الوصول إلى دار القرار عن عيون بصائرهم وأبصارهم { ففي رحمة الله } التي وسعت كل شيء، مستغرقون في بحر توحيده، غائصون، سابحون لا يخرجون منها أبدا { هم فيها خالدون } [آل عمران: 107] دائمون، مستمرون ما شاء الله، لا حول ولا قوة إلا بالله.
{ تلك } المواعيد والوعيدات المذكورة للأولياء والأعداء { آيات الله } الدالة على كمال قدرته وتفرده في ألوهيته، واستقلاله في ربوبيته { نتلوها عليك } يا أكمل الرسل؛ تفضلا وامتنانا ملتبسا { بالحق } لا شك في وقوعها { وما الله } الممنتقم في يوم الميعاد { يريد ظلما للعالمين } [آل عمران: 108] بل يجازيهم على مقتضى ما صدر عنهم في النشأة الأولى، إن خيرا فخير وإن شرا فشر، فمن يعمل مثقال ذرة خيرا فيها يره فيها، ومن يعمل مثقال ذرة شرا فيها يره فيها.
[3.109-111]
{ و } لا يتصور الظلم والتعدي من جانبه سبحانه؛ إذ { لله } لظهوره واستوائه على عروش ذرائر الكائنات بالقسط والاعتدال الحقيقي محافظة { ما في السموت } أي: ما ظهر في عالم الغيب وعالم الأرواح { وما } ظهر { في الأرض } أي: عالم الشهادة والأشباح { وإلى الله } لا إلى غيره؛ إذ لا غير { ترجع الأمور } [آل عمران: 109] المتعلقة بالمظاهر كلها؛ إذ هو الفاعل المطلق لا فعل لسواه، بل لا سواه ولا رجوع إلا إياه.
{ كنتم } أيها المحمديون { خير أمة } في علم الله مستوية على صراط التوحيد، معتدلة بين طرفي الإفراط والتفريط { أخرجت للناس } أي: قدرت ظهوركم؛ لتكميل الناقصين من الناس، حتى { تأمرون بالمعروف } المفروض في سلوك طريق التوحيد { وتنهون عن المنكر } المحظور فيه { و } ذلك الأمر والنهي إنما صدر منكم؛ لكونكم { تؤمنون } توقنون { بالله } المستوي على عروش ذرائر الكائنات، بالاعتدال الذي هو صراط الله الأقوم { ولو آمن أهل الكتاب } بأجمعهم بدينكم وملتكم { لكان خيرا لهم } ينجيهم عن ورطتي الإفراد والتفريط، ويوصلهم إلى صراط مستقيم، وإن كان القليل { منهم المؤمنون } الداخلون في حصار الإيمان مع المؤمنين { و } لكن { أكثرهم الفاسقون } [آل عمران: 110] الخارجون عن حدوده وأحكامه.
لا تبالوا أيها الموحدون بفسهم وكفرهم؛ إذ { لن يضروكم } ضرارا فاحشا { إلا أذى } صدرت من سقطات ألسنتهم من التقريع والتشنيع { وإن } بالغوا في العداوة إلى أن { يقاتلوكم يولوكم الأدبار } اضطرارا والزاما { ثم لا ينصرون } [آل عمران: 111] بالكبر عليكم بعد الفر منكم، بل ينصركم الله عليهم بنصره العزيز، ويخذلهم ويذلهم.
[3.112-115]
لذلك { ضربت عليهم الذلة } والصغار والهوان { أين ما ثقفوا } وجدوا، صاروا مهانين، صاغرين { إلا } المعتصمين منهم { بحبل } موفق { من } عند { الله } وهو الانقياد لدين الإسلام { وحبل } عهد وثيق، وذمة { من الناس و } بعدما { بآءوا } رجعوا عن تصديق دين الإسلام المنزل لخير الأنام، استحقوا { بغضب } نازل عظيم { من الله و } لا يمكنهم دفعه؛ إذ { ضربت } تمكنت وتقررت { عليهم المسكنة } المذمومة الناشئة من خباثة طينتهم، لا ترجى عزتهم أصلا.
{ ذلك } أي: ضرب الذلة والمسكنة، والصغار والهوان عليهم { بأنهم كانوا } في أوان عزتهم وعظمتهم { يكفرون } يكذبون ويستهزئون { بآيات الله } المنزلة من عنده { ويقتلون الأنبيآء بغير حق } بلا رخصة شرعية { ذلك } الكفر والقتل الصادر منهم { بما عصوا } أي: بسبب عصيانهم وخروجهم عن إطاعة أمر الله، والانقياد لأحكامه عتوا وعنادا { و } متى عصوا { كانوا يعتدون } [آل عمران: 112] يتجاوزون عن حدود الله بالمرة، ويقتلون من يقيمها استكبارا.
{ ليسوا } أي: ليس جميع أهل الكتاب { سوآء } مستوية الأقدام في الاعتدال والإنكار، بل { من أهل الكتاب } أيضا { أمة قآئمة } مستقيمة على صراط العدل { يتلون آيات الله } الدالة على توحديه { آنآء الليل } أي: جميع آنائه { وهم يسجدون } [آل عمران: 113] يصلون خاضعين، متذللين، واضعين جباههم على تراب المذلة؛ تعظيما له، وخوفا من خشيته، ورجاء من سعة رحمته.
Halaman tidak diketahui