Tafsir Al-Jilani
تفسير الجيلاني
Genre-genre
{ فلما وضعتها } أنثى آيست { قالت } متحسرة متحيرة مشتكية إلى ربها في نذرها: { رب إني } وإن بالغت في إخلاص النية في نذري لم تقبله مني يا رب أن { وضعتهآ أنثى } والأنثى لا تصلح لخدمة بيتك { و } لما امتدت في إظهار التحزن، وبث الشكوى والتحسر نودي في سرها: لا تجزعي ولا تحزني؛ إذ { الله } المطلع لإخلاص نيتك { أعلم } منك { بما وضعت } وما ظهرت منها من البدائع والغرائب والإرهاصات الخارقة للعادات { وليس } مطلق { الذكر } الذي حررر لخدمة هذا البيت { كالأنثى } التي هي هذه؛ إذ يترتب على وجود عجائب صنع الله وبدائع قدرته لما سمعت بسمع سرها ما سمعت قالت نشطة فرحانة: { وإني سميتها مريم } ليكون اسمها مطابقا لمسماها؛ لأن مريم في لغتهم بمعنى العابدة، ولما تحققت عندها بإلهام الله وقاية الله إياها وذريتها، قالت مفوضة إلى الله: { وإني أعيذها بك وذريتها } أيضا { من الشيطان الرجيم } [آل عمران: 36] لتكون هي وهم في حفظك وحمائك من إغوائه وإضلاله.
{ فتقبلها ربها } ما نذرت له { بقبول حسن } حتى نشطت بمكاشفة اللطف من الله بعدما آيست { و } بعد قبول الحسن { أنبتها } ربها بلطفه حتى صار { نباتا حسنا } مظهرا لعجائب صنعه وبدائع حكمته { و } بعدما أنبتها وتقبلها { كفلها } أي: جعل كفيلها وحاضنها من أحبار البيت { زكريا }.
روي أن حنة لما كوشفت بأمرها بإلهام الله إياها لفتها في خرقه وحملتها إلى المسجد ووضعتها عند الأحبار المجاورين فيه على العادة المستمرة، وقالت: دونكم هذه النذيرة، فتخالفوا في حضانتها؛ لأنها كانت بنت إمامهم وملكهم، فقال زكريا: أنا ا؛ق بحضانتها، لأن عندي خالتها، فأبطأ إلى أن اقترعوا وكانوا سبعة وعشرين، فانطلقوا إلى نهر فألقوا فيها أقلامهم، فطفا قلم زكريا ورسبت أقلامهم، فتكلفها في بيت لا باب له إلا كوة في سقفه.
فلما أراد زكريا أن يأتي برزقها نزل منها، ولما خرج أغلق وقفل، ثم صار { كلما دخل عليها زكريا المحراب } لتفقدها { وجد عندها رزقا } من ألوان الأطعمة والفواكة، وكان يجد عندها فاكهة الشتاء في الصيف، والصيف في الشتاء، فتعجب من حالها إلى أن سألها { قال يمريم أنى لك هذا } من أين لك هذا الرزق الآتي الذي لا يشبه أطعمة الدنيا، والفاكهة الآتية لا على وفق العادة والأبواب مغلقة عليك؟! { قالت } بإلهام الله إياها: { هو من عند الله } المتكفل لأرزاق عباده { إن الله } المراقب المحافظ لتربية مظاهره { يرزق من يشآء } ما يشاء { بغير حساب } [آل عمران: 37] بلا إحصاء وتعديد من حيث لا يحتسب.
[3.38-41]
ولما سمع زكريا منها ما سمع ورأى ما رأى { هنالك } أي: في ذلك الوقت والزمان { دعا زكريا } المراقب لنفحات الله في جميع حالاته { ربه } الذر رباه بتعرض نفحاته لإصلاح حاله متمنيا في دعائه خلفا يحيي اسمه حيث { قال رب هب لي من لدنك ذرية طيبة } بريئة عن جميع الرذائل والنقائض كما وهبتها لامرأة عمران { إنك } بإحاطتك على سرائر عبادك { سميع الدعآء } [آل عمران: 38] أي: الدعاء الصادر عن ألسنة استعداداتهم بإلقائك على قلوبهم.
ولما كان دعاؤه صادرا عن عزيمة صحيحة واردة في وقت قدر الله في علمه، بادر سبحانه إلى إجابته، أمر الملائكة بتبشيره { فنادته الملائكة } بأمر ربهم { وهو } في تلك الحالة مترصد للإجابة { قائم } للخضوع والتذلل { يصلي } لله، ويميل إليه مقبلا عليه { في المحراب } المعد للاستقبال قائلين له، منادين عليه: يا زكريا { أن الله } السميع لدعائك يجيبك { يبشرك بيحيى } بابن سمي من عنده بيحيى، لتضمن دعائك بمن يحيي اسمك، ثم لما كان الباعث لك على هذا الدعاء مشاهدة الخوارق والإرهاصات الظاهرة من مريم - رضي الله عنها - صار ابنك الموهوب لك { مصدقا بكلمة } لابنها الحاصل لها بلا مباشرة زوج بل صادرة { من الله } سمي من عنده المسيح { و } مع كونه مصدقا بعيسى عليه السلام بصير { سيدا } فائقا على أهل زمانه بالزهد والتقوى، فإنه عليه السلام كان في حايته ما هم بمعصية قط { و } مع كون يحيى سيدا ورئيسا في قومه { حصورا } مبالغا في حبس نفسه عن مشتهياتها مع القدرة عليها { و } يصير بسبب اتصافه بالأوصاف المذكورة { نبيا من } الأنبياء { الصالحين } [آل عمران: 39] لتبليغ أحكام الله إلى عباده وأهدائهم إلى جنابه.
ولما سمع زكريا من الملائكة ما سمع { قال } متحيرا مستعبدا لكونه على خلاف جري العادة: { رب } يا من رباني بنعمك إلى كبر سني { أنى } من أين { يكون لي غلام } في هذا السن { وقد بلغني الكبر } غايتها { و } الحال إن { امرأتي عاقر } ذات عقر من الأولاد في أصل الخلقة، ومع ذلك كبيرة لا يرجى منها الولادة { قال } له حبرائيل بوحي الله: لا تستبعده، فإنه يكون { كذلك } أي: مثل ما قلت بلا سبب موافق لجري العادة؛ إذ { الله } القادر المختار { يفعل } يخلق ويوجد { ما يشآء } [آل عمران: 40] من الموجودات إيجادا إبداعيا بلا سبق سبب ومادة.
فلك أن ترتفع غشاوة الأسباب الحاجبة عن البين، وتنسب ما جرى في ملكه إليه بلا رؤية الوسائط والأسباب؛ إذ لا حجاب عند أولي الألباب، بل كل ما صدر عنه لا يتوقف على شيء من سوابقه، ولا يتوقف عليه شيء من لواحقه عند أولي البصائر، الناظرين بنور الله في تجددات تجليات الوجود الإلهي.
ثم لما تفطن زكريا من هذا الكلام ما تفطن { قال } مستسرعا مستنشطا: { رب } يا من رباني بأنواع اللطف والكرم { اجعل لي } بفظلك { آية } علامة أعرف بها الحمل؛ ليفرح بها قلبي ويخلص عن الانتظار { قال آيتك ألا تكلم الناس } أي: لا تطيق التكلم معهم؛ لعدم مساعدة آلاتك عليه مدة { ثلاثة أيام } ولا تعلمهم حوائجك { إلا رمزا } إشارة بيد ورأس وغير ذلك { و } عند حبسك عن الكلام والتنطق { اذكر ربك } في نفسك ذكرا { كثيرا وسبح } نزهه عن جميع النقائض تسبيحا مقارنا { بالعشي } أي: جميع الليل { والإبكار } [آل عمران: 41] أي: جميع النهار لتستوعب جميع أوقاتك بذكره.
Halaman tidak diketahui