Tafsir Al-Jilani
تفسير الجيلاني
Genre-genre
والمعنى: إن إنفاق المؤمن المخلص في الإنفاق، الطالب لرضاء الحق، المائل عن المن والرياء، الراغب لامتثال الأمر وتثبيت النفس وتقريره على أمر تلك الجنة، بل هي الجنة الحقيقية المثمرة للفواضل والإحسانات التي لا يدرك نموها { والله } المحيط بجميع أعمالكم { بما تعملون } من الإخلاص والرياء والمن والأذى { بصير } [البقرة: 265] لا يغيب شيء عن بصارته وحضوره.
ثم حث سبحانه عموم عباده على الإخلاص ورغبهم عن الرياء والمن والأذى على أبلغ وجه وآكده كأنه استدل عليه فقال: { أيود } ويحب { أحدكم } أيها المؤمنون المنتشرون في فضاء الدنيا { أن تكون له جنة } مملوءة { من نخيل وأعناب تجري من تحتها الأنهار } بل { له فيها من كل الثمرات } المتنوعة المتلونة { و } الحال أنه { أصابه الكبر وله ذرية ضعفآء } لا يقدرون على الكسب { فأصابهآ } أي: الحنة { إعصار } أي: ريح عاصف تستدير عند هبوبها فيرى لغبرتها مثل العمود الممدود نحو السماء { فيه نار } متكونة من الأبخرة والأدخنة المحتبسة فيها، والتقطها من شعل النار فسقطت النار فيها { فاحترقت } بالمرة ولم ينتفع منها أصلا، كيف يحرم هو؟!
وحرمانكم في النشأة الأخرى أيها المراءون أشد من حرمانه؛ لإحراقكم جنة الأعمال الصالحة المشتملة على نخيل التوحيد، وأعناب التسليم تجري من تحتها أنهار المعارف والحقائق المنتشئة من النفحات الإلهية المثمرة ثمرات الإنفاق والصدقات، والمتشعبة من الرضا المشعر بمقام العبودية، المسقط للإضافات كلها بإعصار الرياء والمن والأذى، المشتمل على نيران الأنانية والغيرية، المشعرة بعدم التحقق بمقام الرضا التسليم، فاحترقت بالمرة.
والحال أنكم مبطلون على الكسب، وقواكم الكاسبة قد رجعت إلى بدء رجموع القهرى ضعفاء مطلعين مثلكم { كذلك يبين الله لكم الأيت لعلكم تتفكرون } [البقرة: 266] فيها وتدخرون الزاد ليوم لا كسب فيه ولا مكسب، ولا زرع ولا حصاد.
[2.267-269]
{ يأيها الذين آمنوا أنفقوا } لرضاء الله { من طيبات } جيدات { ما كسبتم } أي: ما كسبتم في النشأة الأولى بأيديكم بالتجارة والصناعة { وممآ أخرجنا لكم من الأرض } بلا عمل منكم من الحبوب والثمار والمعدنيات وغير ذلك { ولا تيمموا } أي: لا تقصدوا { الخبيث } الرديء { منه } أي: مما كسبتم، ومما أخرجنا لكم حال كونك { تنفقون } للفقراء { و } الحال أنكم { لستم بآخذيه } من الغير { إلا أن تغمضوا فيه } تسامحوا في أخذه { واعلموا أن الله } المدبر لمصالح عباده { غني } عن إنفاقكم وتصدقكم، وإنما يأمركم به لانتفاعكم إذ هو { حميد } [البقرة: 267] شكور، فما أنتم وإنفاقكم.
{ الشيطان يعدكم الفقر } في الإنفاق ويخوفكم منه { ويأمركم بالفحشآء } أي: البخف المتجاوز عن الحدود { والله يعدكم } فيه { مغفرة } لذنوبكم ناشئة { منه وفضلا } زائدا على وجه التبرع والإكرام خلفا لما أنفقتم لطلب رضاه { والله واسع } لاضيق في فضله وأحسانه { عليم } [البقرة: 268] بنية من أنفق.
{ يؤتي الحكمة } أي: سرائر جميع الأعمال المأمورة لعباده { من يشآء } بفضله وجوده { ومن يؤت الحكمة } من العباد { فقد أوتي خيرا كثيرا } لا يحيط بكثرته إلا هو { وما يذكر } أي: ما يتعظ ويتذكر بهذه الآية { إلا أولوا الألباب } [البقرة: 269] الواصلون إلى لب الأمور، المائلون عن قشورها المتجهون إلى الله بالعزائم الصحيحة، المعرضون عن الرخص المؤدية إلى الجرائم.
[2.270-272]
{ و } اعلموا أيها المؤمنون أن { مآ أنفقتم من نفقة أو نذرتم من نذر } يؤدي على الإنفاق في سبيل الله { فإن الله } الناظر لعباده في كل الأمور { يعلمه } يعلمه الحضوري، ويجازي عليه بأضعافه { وما للظالمين } المجاوزين عن حدوده، بمتابعة الشيطان المضل عن سبيل الله { من أنصار } [البقرة: 270] ينصرهم عند انتقام الله على ما صدر عنهم من الفسوق والعصيان، والتبذيرات الواقعة فيها.
Halaman tidak diketahui