Tafsir Al-Jilani
تفسير الجيلاني
Genre-genre
ثم لما استحقوا نزول العذاب والإهلاك ، وحان حلول البوار عليهم { فأنجيناه } أي: أخرجنا لوطا من بينهم { و } أمرناه أن يخرج { أهله } أيضا عناية منا إياهم { إلا امرأته } المائلة عليهم، والراضية بفعلهم؛ لأنها منهم، لذلك { قدرناها } في سابق قضائنا { من الغابرين } [النمل: 57] الهالكين.
{ و } بعدما أخرجنا لوطا وأهله من بينهم { أمطرنا عليهم مطرا } أي: مطر، وهو مطر الحجارة المهلكة { فسآء مطر المنذرين } [النمل: 58] مطرهم الذي أمطروا به، بحيث لم يبق منهم ومن مساكنهم ومواشيهم شيء أصلا.
وبعدما قص سبحانه لحبيبه صلى الله عليه وسلم قصص بعد أرباب الطبقات من الأنبياء والرسل المختصين بأنواع الفضائل والكرامات الموهبة من عنده سبحانه إياهم تفضلا عليهم وامتنانا، أمره سبحانه بأن بادر إلى تجديد الشكر والثناء عليه سبحانه بما أولاهم من النعم العظام، وأعطاهم من الفواضل الجسام إيفاء لحقوق المؤاخاة، والاتحاد الحقيقي الواقع بين الأنبياء والرسل الكرام بعد رفع الإضافات وخلع التعينات.
وقال سبحانه: { قل } يا أكمل الرسل بعدما تلونا عليك بعض فضائل إخوانك تحميدا علينا من قبلهم، وتسليما منا إياهم: { الحمد } والثناء الكامل اللائق { لله } الواحد الأحد، الحقيق بجميع المحامد والأثنية الصادرة عن ألسنة عموم من رش عليهم رشحات بحر وجوده، وامتد عليهم أضلال أسمائه وصفاته بمقتضى وجوده { وسلام } من سبحانه ورحمة نازلة على التواتر والتوالي { على عباده الذين اصطفى } واختارهم من بين البرايا التائهين في بيداء الغفلة والضلال، وتكميل الناقصين المنحطين عن رتبة الخلافة والنيابة بميلهم إلى قاذورات الدنيا العائقة عن الوصول إلى در الخلافة التي هي التوحيد المسقط لتوهم الإضافات مطلقا.
قل يا أكمل الرسل بعدما ظهر الحق مستفهما، مقرعا للمشركين المتخذين غير الله إلها جهلا وعنادا: { ءآلله } الواحد الأحد، القادر المتقدر، المدبر لأجله من معرفة مبدئه ومعاده { خير أما يشركون } [النمل: 59] له عنادا ومكابرة من الأظلال الهالكة في أنفسها، المجبورة تحت قهر الله وقدرته الكاملة.
[27.60-63]
ثم قرع عليه سبحانه من التقريعات والتوبيخات ما قرع تتميا لردعهم، وتكميلا لزجرهم فقالأ: { أمن خلق السموت } أي: عالم الأسباب العادية { والأرض } أي: عالم الطبيعة القابلة لقبول فيضان آثار الفواعل العلوية { و } من { أنزل لكم من } جانب { السمآء مآء } محييا أموات الأراضي اليابسة بالطبع { فأنبتنا به } أي: بالماء بعدما أنزلناه من جانب السماء { حدآئق ذات بهجة } وبهاء ونضارة وصفاء { ما كان } أي: ما صح وأمكن { لكم أن تنبتوا شجرها } بل ولا شجرة واحدة من جملة أشجارها، لولا إمداد الله وإنباته إياها { أإله } أي: تدعون وتدعون إلها آخر { مع الله } المدبر لمصالحكم بالاستقلال والإرادة والاختيار { بل هم } أي: المتخذون غير الله إلها { قوم يعدلون } [النمل: 60] عن الحق الصريح الذي هو التوحيد إلى الباطل الذي هو الشرك في ألوهيته، وإثبات الغير معه في الوجود، وادعاء استحقاق العبادة إياه عنادا ومكابرة.
{ أمن جعل الأرض قرارا } أي: مقرا تستقرون عليها وتعيشون فيها، مع ان طبع الماء يقتضي الإحاطة بجميع جوانبها؛ بحيث لا يبدوا من كرة الأرض شيئا خرجا منه { و } بعد إبداء بعضها من الماء عناية من سبحانه إياكم { جعل خلالهآ } أي: أوساط الأرض البادية { أنهارا } جارية؛ تتميما لأمور معاشكم عليها { وجعل لها رواسي } أي: الأرض رواسي؛ أي: جبالا شامخات، وسير فيها معادن الفلزات، ومنابع المياة ومراتع الحيوانات تتميما وتكميلا لمصالحكم ومعايشكم.
{ وجعل } من كمال لطفه ومرحمته { بين البحرين } العذب والمالح { حاجزا أإله } مانعا؛ لئلا يختلط ويختل نظام معاشكم عليها؛ أي: أتدعون أيها الجاهلون { مع الله } المتوحد المتفرد في ذاته، المستقل في تصرفاته الواقعة في مملكته؟! { بل أكثرهم } لانهماكهم في الغفلة والجهل عن الله وحق قدره وقدر ألوهيته { لا يعلمون } [النمل: 61] شيئا من آداب عبوديته؛ لذلك ينسبون إليه سبحانه ما لا يليق بشأنه جهلا ومكابرة.
{ أمن يجيب المضطر } القلق الحائر في أمره بلا رشد منه إلى مخرجه ومخلصه { إذا دعاه } دعوة مؤمل ضريع سواه سبحانه { و } من { يكشف السوء } المتفاقم على ذوي الأحزان والملمات { و } من { يجعلكم خلفآء الأرض } من الأسلاق الذين مضوا عليها { أإله مع الله } الواحد الأحد الصمد تدعوان أيها الجاهلون المسرفون المكابرون، ومن نهاية جهلكم وغفلتكم عن ألوهية الحق، وغاية غيكم وضلالكم عن توحيده { قليلا ما تذكرون } [النمل: 62] أي: قليلا منكم تتذكرون آلاء الله ونعمائه المتواطئة المترادفة عليكم.
Halaman tidak diketahui