491

لذلك تتخيل أنك رسول مرسل من قبل الحق هاد إلى طريقه، مع أنك { مآ أنت إلا بشر مثلنا } بلا رجحان لك علينا، ولم يعهد إرسال البشر إلى البشر، وبعدما عيروه وشنعوا عليه قصدوا تعجيزه، فأمروه بإتيان البرهان على صدقه، فقالوا متهكمين: { فأت } يا صالح { بآية } معجزة دالة على صدقك في دعواك { إن كنت من الصادقين } [الشعراء: 154].

{ قال } صالح: معجزتي الدالة على حقية دعوتي ورسالتي { هذه ناقة } مخرجة من الصخرة بإخراج الله بعدما اقترحتموني بإخراجها، فدعوت الله القادر المقتدر على اختراع الامور المستبدعة، وأتضرع نحوه فقل دعائي، فأخرجها بقدرته على الوجه الذي اقترحتم، فاعلموا أيها المنهمكون في بحر الغفلة والغرور أنه { لها } أي: للناقة { شرب } أي: معين لشربها من بئركم بتعيين الله إياها { ولكم شرب يوم معلوم } [الشعراء: 155] معين.

فعليكم ألا تتجاوزوا من شربكم إلى شربها، ولا تضروا بها { ولا تمسوها بسوء } من ضرب وعقر، وظمأ وجوع، فإنكم أن تمسوها بسوء { فيأخذكم } وينزل عليكم { عذاب يوم عظيم } [الشعراء: 156] وصف به، لعظم ما فيه من العذاب.

ثم لما أوصاهم بحفظها وحضانتها، وبالغ في شأنها لم يقبلوا منه، ولم يبالوا بقوله فاجتمعوا على عقرها متفقين { فعقروها } بعدما اتفق الكل { فأصبحوا } بعدما عقروها { نادمين } [الشعراء: 157] خائفين من نزول العذاب، لا تائبين آيبين عما فعلوا من ترك المأمور وارتكاب المنهي.

وبعدما استحقوا العذاب بصنيعهم هذا { فأخذهم العذاب } الموعود المعهود من قبل الحق فنزل عليهم، فأهلكهم بالمرة إلى حيث لم يبق منهم أحد على وجه الأرض { إن في ذلك } الابتلاء والإنزال والإهلاك { لآية } عظيمة مثبتة لكمال قدرة الله وقهره على مقتضى صفاته الجلالية { وما كان أكثرهم مؤمنين } [الشعراء: 158] بقهره وجلاله.

{ وإن ربك } يا أكمل الرسل { لهو العزيز } الغالب القاهر على أعدائه بمقتضى غضبه وجلاله { الرحيم } [الشعراء: 159] المشفق على أوليائه حسب اقتضاء لطفه وجماله.

[26.160-175]

ثم قال سبحانه: { كذبت } أيضا { قوم لوط المرسلين } [الشعراء: 160] مثل ما كذب السابقون.

وذلك في وقت { إذ قال لهم أخوهم لوط } حين شاعت بينهم الفعلة القبيحة الذميمة، والديدنية الشنيعة إلى حيث يباهون بها ولا يخافونها { ألا تتقون } [الشعراء: 161] من غضب الله أيها المسرفون المفرطون، اتقوا الله الغالب الغيور، واحذروا من سخطه.

{ إني لكم رسول } من قبله { أمين } [الشعراء: 162] يؤمنكم عن مكر الله، وإلمام غضبه وعذابه.

Halaman tidak diketahui