450

ثم قال سبحانه تذكيرا لعموم عباده: { إن } المفسدين المسرفين { الذين يحبون } من خبث بواطنهم { أن تشيع } تظهر وتنتشر { الفاحشة } الخصلة المذمومة عقلا وشرعا { في الذين آمنوا } أي: بين عموم المؤمنين { لهم } جزاء لإشاعتهم وإذاعتم { عذاب أليم } مؤلم مفزع { في الدنيا } بالجلد { والآخرة } بالنار المحرق الملتهب { والله } المطلع لجميع ما جرى في الغيب والشهادة { يعلم } قبح ما في الإشاعة والإذاعة { وأنتم لا تعلمون } [النور: 19] قبحها لذلك تحبون.

{ ولولا فضل الله عليكم ورحمته } بفتح باب التوبة، والرجوع عن المعصية بالندامة الخالصة لفضحكم، وعذبكم بقبح صنعتكم وشنعة خصلتكم { و } اعلموا { أن الله } المراقب لجميع ما صدر عنك { رءوف } لكم يحفظكم عما يضركم { رحيم } [النور: 20] لكم يرحمكم، بعدما وفقتم على التوبة والندامة.

ولما كان أمثال هذه المعاصي والآثام بمتابعة الشيطان المضل المغوي، نادى سبحانه عموم عباده المؤمنين، ونهاهم عن متابعته والاقتداء به والاقتفاء بأثره، فقال: { يأيها الذين آمنوا } بوحدة الصانع وصفاته، وبالنبوة والرسالة، والتشريع العام المفيد لاعتدال الأخلاق والأطوار بين عموم العباد، مقتضى إيمانكم مخالفة النفس والهوى اللتين هما من جنود الشيطان المضل المغوي عن طريق الحق { لا تتبعوا خطوات الشيطان } ولا تقتفوا أثره في إشاعة الفاحشة واستحباب المعصية.

{ ومن يتبع } منكم أيها المؤمنون { خطوات الشيطان } المضل المغوي فقد ضل وغوى { فإنه } أي: الشيطان { يأمر } من يتابعه ويقتدي به { بالفحشآء } المستقبح عقلا وشرعا { والمنكر } المردود مروءة ونقلا { ولولا فضل الله عليكم } المتكفل لإصلاح حالكم عليكم { ورحمته } الواسعة الشاملة لعموم عباده { ما زكى } وطهر وخلص { منكم من أحد } متابعة الشيطان { أبدا } ما دمتم أحياء؛ إذ متابعته مطبوعة لكم، مستحسنة عندكم، مقبولة لأنفسكم { ولكن الله } المدبر لأمور عباده { يزكي } أي: يخلص ويطهر من غوائل الشيطان ووساوسه { من يشآء } رعاية لحكمته، وضبطا لمصلحته التي جبل عباده عليها { والله } المطلع لما ظهر وبطن { سميع } لأقوالهم { عليم } [النور: 21] بقصهم ونياتهم.

{ و } بعدما جاء من القاذفين الآفيكن ما جاء، انصرف عنهم المؤمنون وأعرضوا عن إنفاقهم ورعايتهم، وحلفوا ألا ينفقوا عليهم أصلا، مع أن بعضهم في غاية الفاقة، رد الله على المؤمنين، وحثهم على الإنفاق، وأمرهم بالإحسان بدل الإساءة، وقال: { لا يأتل } أي: لا يحلف ولا يقصر { أولوا الفضل منكم } في الدين { و } أولوا { السعة } في الرزق { أن يؤتوا } أي: من ألا يؤتوا أو على ألا يؤتوا { أولي القربى } أي: الفقراء الذين ينتمون إليكم إيها المؤمنون بالقرابة { والمساكين } الفاقدين لقوت يومهم، ولا سيما الفقراء { والمهاجرين في سبيل الله } الباذلين أرواحهم في ترويج دينه؛ بسبب أنهم خاضوا في معصية الإفك والافتراء، وجاءوا ببهتان عظيم، وأحبوا أن يشيعوه، ويتقولوا به ظلما وزورا.

{ و } بعد نزول آيات البرءاة، والتنزيه في شأن العفيفة - رضي الله تعالى عنها - { ليعفوا } أي: جملة المؤمنين عن ذوب القاذفين بعدما تابوا وندموا، وقبل الله سبحانه منه توبتهم { وليصفحوا } وليعرضوا عن جريمتهم، ويصافحوا معهم، وليعطوا لهم ما أعطوهم قبل { ألا تحبون } أيها المقذوفون المطهرون البريئون { أن يغفر الله لكم } زلتكم وذنوبكم بسبب عفوكم عنهم، وصفحكم عما جاءوا به افتراء { والله } المنتقم المجازي لعباده { غفور } لهم يغفر زلتهم وذنوبهم بسبب عفوهم جرائم إخوانهم { رحيم } [النور: 22] يرحمهم تفضلا عليهم وامتنانا.

[24.23-27]

روي أنه صلى الله عليه وسلم قرأها على أبي بكر رضي عنه، فقال: بلى أحب، وأعاد إلى مسطح - هو أحد القاذفني الآفكين - وهو ابن خالته فقير ليس له شيء ينفقه على نفسه؛ لأنه ينفق عليه دائما.

ثم قال سبحانه تذكيرا لعموم عباده، ونهيا لهم عن الرمي بالزنا مطلقا: { إن } المسرفين { الذين يرمون } بالزنا { المحصنات } المتعففات، والمستحفظات لحدود الله { الغافلات } البرئيات المنزهات عما رموا به أولئك الغفلة الجهلة ظلما وزورا { المؤمنات } بالله، وبما جاء من عنده من الحدود والأحكام الجارية على ألسنة رسله، وبيوم الجزاء المعد للكشفش والتفضيح { لعنوا } وطردوا عن روح الله وسعة رحمته؛ لقصدهم عرض العفائف، وهتك أستارهن، وطعنهم فيهن افتراء ومراء { في الدنيا } بإجراء الحد وأنواع الطرد والشتم، ورد شهادتهم مدة حياتهم { والآخرة } بأنواع العذاب والنكال.

{ و } بالجملة: { لهم } بسبب قبح صنيعهم وسوء فعالهم { عذاب عظيم } [النور: 23] لا عذاب أعظم منه؛ لعظم جرمهم وعصيانهم.

Halaman tidak diketahui