Tafsir Al-Jilani
تفسير الجيلاني
Genre-genre
وبالجملة ما عليك إلا البلاغ، وعلى الله الهداية والرشاد، فلا تتعب نفسك في هداية من أحببت،
إنك لا تهدي من أحببت
[القصص: 56] بل أمر الهداية والضلال إنما هو مفوض إلى الكبير المتعال.
لذلك قال سبحانه: { إن الذين آمنوا } بمحمد صلى الله عليه وسلم الهادي للناس إلى توحيد الذات، والصفات، والأفعال جميعا { والذين هادوا } وهم الذين آمنوا بموسى عليه السلام الهادي لأمته إلى توحيد الصفات { والصابئين } الذين يدعون الاطلاع على سرائر الكواكب والأجرام العلوية { والنصارى } وهم الذين يصدقون بعيسى عليه السلام الهادي لأمته إلى توحيد الأفعال { والمجوس } الذين يدعون التمييز بين فاعل الخير وفاعل الشر { والذين أشركوا } بالله المنزه عن الشريك، كل من هؤلاء المذكورين يدعي الحقية لنفسه، والباطل لغيره { إن الله } المطلع لسرائرهم وضمائرهم { يفصل بينهم } أي: بين من هو المحق منهم والمبطل { يوم القيامة } وكيف لا يميز ويفصل سبحانه { إن الله } المتجلي في الآفاق والأنفس { على كل شيء شهيد } [الحج: 17] أي: حاضر مع كل شيء رقيب عليه، غير مغيب عنه أصلا.
{ ألم تر } أيها الرائي ولم تعلم { أن الله } المظهر لجميع المظاهر { يسجد } أي: يذلل ويخضع { له من في السموت } من العلويات { ومن في الأرض } من السفليات وخصوصا معظمات الأجرام العلوية وهي { والشمس والقمر والنجوم } ومعظمات الأجسام من السلفيات { و } هي { الجبال والشجر والدوآب و } يسجد له أيضا طوعا { كثير من الناس } المجبولين على فطرة التوحيد، المخلوقين على استعداد الإيمان، وقابلية المعرفة والإيقان { وكثير } منهم لانحرافهم عن الفطرة الأصلية بتقليد آبائهم ومعلميهم الذين يضلونهم عن سواء السبيل لذلك { حق عليه العذاب } وثبت له العقاب في لوح القضاء وحضرة العلم { ومن يهن الله } وأسقط رتبته وحط درجته { فما له من مكرم } معل رافع { إن الله } المطلع على استعدادات عباده وقابلياتهم { يفعل } معهم { ما يشآء } [الحج: 18] على مقتضى علمه وخبرته.
ثم لما تطاول نزاع اليهود مع المؤمنين وتمادى جدالهم وخصومتهم حيث قال اليهود: نحن أحق بالله منكم لتقدم ديننا، وشرف نبينا، وفضل كتابنا، وقال المؤمنون: نحن أحق منكم؛ لأن ديننا ناسخ جميع الأديان، ونبينا خاتم دائرة النبوة والرسالة، ومتمم مكارم الأخلاق، وكتابنا الجامع لما في الكتب السالفة الناسخة لبعض أحكامها أفضل من سائر الكتب، ونحن أيضا لا ننكر نبيا من الأنبياء، وكتابا من الكتب، وأنتم أنكرتم عيسى عليه السلام ودينه وكتابه وديننا ونبينا وكتابنا، مع أنه مذكور في كتابكم، وأنتم تعلمون حقيته وتنكرونه عنادا.
[22.19-25]
أورد سبحانه في كتابه قصتهما وحكم بينهما فقال سبحانه: { هذان } الفوجان؛ يعني: المؤمنين واليهود { خصمان اختصموا في ربهم } مع وحدة ذاته وشمول تربيته وألوهيته لجميع البرايا { فالذين كفروا } بالله المتوحد بذاته وأثبتوا له شركا، وفرقوا بين كبته ورسله بالإقرار والإنكار، والتصديق والتكذيب { قطعت } أي: أعدت وهيئت { لهم ثياب } وملابس متخذة { من نار } شبهها بالثبات لإحاطتها وشمولها ومع ذلك { يصب من فوق رءوسهم الحميم } [الحج: 19] الماء الحار البالغ نهاية الحرارة.
بحيث { يصهر } ويذاب { به ما في بطونهم } من الشحوم وغيرها { و } كذا يذاب به { الجلود } [الحج: 20].
{ ولهم } أي: لردهم ودفعهم زجرا وقهرا { مقامع } سياط مصنوعة { من حديد } [الحج: 21] بيد من ءوكل عليه من الزبانية { كلمآ أرادوا أن يخرجوا منها } أي: من النار { من غم } وهم وكآبة، عرض لهم من شدة العذاب، فطلبوا الخروج تخفيفا، وترويحا حين التقطهم اللهب إلى الطرف الأعلى منها { أعيدوا فيها } زجرا ضاربين عليهم بالمقامع { و } قائلين لهم { ذوقوا } أيها المصرون على الكفر والعناد، المسرفون المفسدون بأنواع الفجور والفساد { عذاب الحريق } [الحج: 22] المحرق أكبادكم بدل ما تبردونها بالسحت والرشى.
Halaman tidak diketahui