Tafsir Al-Jilani
تفسير الجيلاني
Genre-genre
{ يسألونك } أيها الداعي للخلق إلى الحق { عن الشهر الحرام } هو من المحرمات الإلهية أم لا؟ وعن { قتال } واقع { فيه } أهو أيضا من المحرمات أم لا؟ { قل } يا أكمل الرسل للسائلين نيابة عنا: هما من محرماته سبحانه، بل { قتال فيه } ذنب { كبير } إذ هو خروج عن مقتضى حد الله الموضوع في هذا الشهر { و } مع كونه ذنبا { وصد } منع وصرف للتجار { عن سبيل الله } المبيح لهم لكسب معاشهم { و } مع ذلك، العياذ بالله { وكفر به } أي: بالله بعدم إطاعة أمر الله.
روي أنه صلى الله عليه وسلم بعث عبد الله بن جحش ابن عمته على سرية في جمادى الآخرة قبل بدر بشهرين ليترصد القفل الذي كان لقريش في جانب الشام، وفيهم عمرو بن عبد الله الحضرمي وثلاثة معه، فلما ظفروا عليهم قتلوا الحضرمي وأسروا اثنين واستاقوا العير نحو المدينة، وفيها تجارة للطائف أيضا، وكان ذلك غرة رجب وهم يظنونه من الجمادى.
فقالت قريش: استحل محمد الشهر الحرام شهرا يأمن فيه الخائف ويتردد فيه الناس إلى معاشهم، ثم لما سمع صلى الله عليه وسلم بعير قريش قال لعبد الله: " ما أمرت لك القتال في الشهر الحارم وسوق العير فيه، وشق على أصحاب السرية، وقالوا: ما نبرح حتى تنزل توبتنا فنزلت.
ورد رسول الله صلى الله عليه وسلم العير والأسارى، فلاموه وعيروه على ما صدر عنه { و } قالوا: أنتوجه إلى { المسجد الحرام } ونمنع الزوةار منه؟ رد الله عليهم فقال: { وإخراج أهله } أي: أهل المسجد الحرام عدوانا وعمدا { منه أكبر } ذنبا { عند الله } من منع الزوار، والقتل سهوا أو خطأ ناشئا من عدم التدبر في تعين الوقت؛ إذ الإخراج: افتنان بني المسلمين المستأهلين ببيت الله { والفتنة أكبر من القتل } إذ شرها عام ممد بخلاف القتل.
{ و } الحاصل أن الكفار المصرين على الكفر والعناد { لا يزالون يقاتلونكم } أيها المؤمنون { حتى يردوكم عن دينكم } المنزل عليكم من ركبم هداية لكم { إن استطاعوا } والحال إنه { ومن يرتدد منكم عن دينه } الذي هو الإيمان والتوحيد { فيمت } بد الارتداد { وهو كافر } ساتر طريق الحق، تارك مشرب التوحيد { فأولئك } الكافرون المرتدون عن طريق الإيمان والإسلام { حبطت } هلكت وسقطت عن الاعتبار عند الله { أعمالهم } بالمرة إضلالا { في الدنيا } لحرماتهم عن مصاحبة أهل الإيمان والفرقان { و } لا في { الآخرة } لإرجاعهم نفوسهم إلى قعر الإمكان المفضي إلى أسفل دركات النيران { وأولئك } المحرمون عن لذة التوحيد { أصحاب النار هم فيها خالدون } [البقرة: 217] إلى ما شاء الله، لا حول ولا وقة إلا بالله.
ثم قال سبحانه: { إن الذين ءامنوا } بالتوحيد الذاتي وأدى إيمانهم إلى أن وصولوا إلى مرتبة اليقين العلمي { والذين هاجروا } وتركوا ما يضاده وينازعه إلى أن وصلوا إلى مرتبة اليقين العيني { و } بعد ذلك { جهدوا في سبيل الله } مع نفوسهم إلى أن وصلوا بل اتصلوا باليقين الحقي { أولئك } المقربون المدرجون في طريق الوصول { يرجون رحمت الله } ما داموا في السلوك بأشباحهم { والله } المطلع لضمائرهم { غفور } ساتر لهم أشباحهم عن عيون بصائرهم { رحيم } [البقرة: 218] لهم، يوصلهم إلى ما يتوجهون إليه من جنة الذات بمنه وجوده.
أدركنا بلطفك يا خفي الألطاف.
[2.219-220]
{ يسألونك } يا أكمل الرسل { عن } حرمة { الخمر والميسر } أهما من المحرمات الإلهية أم لا؟ { قل فيهمآ إثم كبير } أما في الخمر؛ فلكونه معطلا مزيلا للعقل الجزئي المودع في الإنسان، ليتوصل به إلى العقل الكل المتفرع إلى اسم العليم، الشامل لجميع ما كان ويكون، وهو اللوح المحفوظ والكتاب المبين وأما في الميسر فلكونه متلفا للمال الذي هو سبب تعمير البدن، الذي هو مخزن جوهر العقل المذكور الذي اختص به الإنسان، وبه استحق مرتبة الخلافة والنيابة.
{ و } فيهما { منفع للناس } أي: لبعضهم من المرض الذي لا يمكنهم العلاج بدون إزالة عقولهم، والتداوي لهم منحصر في الخمر عند المتطببين، ومن استغناء بعض السفلة من الناس واسترزاقهم بالميسر { و } لكن { إثمهمآ } عند أولي النهي واليقين { أكبر من نفعهما } عندهم، بل لا نفع فيهما بالنسبة إليهم؛ إذ لا يبقى لهم رابطة مع أبدانهم ليصلحوا ويصححوا { ويسألونك } أيضا يا أكمل الرسل: { ماذا ينفقون } من أي شيء ينفقون، على أي وجه ينفقون؟ { قل } يا أكمل الرسل نيابة عنا: أنفقوا { العفو } الفاضل من أموالكم؛ لئلا يتضرروا بالجهد، وليسهل عليكم التجاوز عنه، لا يشق عليكم إنفاقه { كذلك } أي: على الوجه الأحسن الأسهل { يبين الله لكم } جميع { الأيت } المنزلة عليكم إصلاح حالكم { لعلكم تتفكرون } [البقرة: 219] رجاء أن تتأملوا:
Halaman tidak diketahui