Tafsir Al-Jilani
تفسير الجيلاني
Genre-genre
{ و } اعلموا أن { لكل } أي: لكل من أفراد الأمم { وجهة } مقصد وقبلة معينة من الأوصاف والأسماء الإلهية { هو موليها } بحسب اقتضائها وغلبتها { فاستبقوا الخيرات } أي: بادروا أيها المحمديون إلى منشأ جميع الخيرات، ومنبع جميع المبرات الناشئة من الأسماء والصفات، وهو الذات المستجمع لجميعها { أين ما تكونوا } من مقتضيات الأوصاف { يأت بكم الله } الجامع لها { جميعا } مجتمعين بعد رفع التعينات الناشئة من الصفات { إن الله } المتجلي بالأوصاف { على كل شيء } من المظاهر المتعينة المتكثرة بحسب المبدأ والمظاهر { قدير } [البقرة: 148] على رفع التعينات المسقطة لجميع الكثرات بحسب المعاد والباطن.
{ ومن حيث خرجت } يا أكمل الرسل من مقتضى كعبة الذات يغلبه حكم بعض الصفات { فول وجهك } منها متذكرا { شطر المسجد الحرام } المحرم للتوجيه إلى السوى والغير { وإنه } أي: شأن التوجه نحوه { للحق } الثابت النالز { من ربك } الذي رباك بمقتضى جميع أوصافه وأسمائه { و } اعلم أنه { ما الله بغافل عما تعملون } [البقرة: 149] أنت ومن تبعك، وعلى مقتضى علمه تثابون.
{ ومن حيث خرجت } عن مقتضى توحيد الذات بتكثير بعض المظان وترك ما يستقبلونه { فول وجهك شطر المسجد الحرام } الجامع لجميع المظاهر { وحيث ما كنتم } أيها المؤمنون { فولوا وجوهكم شطره } اقتداء لرسولكم { لئلا يكون للناس } المعرضين { عليكم حجة } غلبة بادعائكم التوحيد الذاتي، وإخراجكم بعض المظاهر { إلا الذين ظلموا منهم } ينفي ذات الله وصفاته، وهم الدهريون القائلون بوجود الطبائع بلا فاعل خارجي، فإنهم لا يفحمون ولا يلزمون بأمثاله { فلا تخشوهم } أي: فلا تخافوا منهم في التوجه إلى الكعبة الحقيقية { واخشوني } في عدم التوجه حتى لا تحرموا عن مقتضيات بعض الأوصاف { ولأتم نعمتي } الواصلة بحسب أوصافي وأسمائي { عليكم ولعلكم تهتدون } [البقرة: 150] إلى ذاتي بسببها.
ومن إتمام نعمنا إياكم أنا هديناكم إلى جهة الكعبة الحقيقية، وأمرناكم بالتوجه نحوها { كمآ أرسلنا } من مقام جودنا { فيكم رسولا } هاديا لكم نائشا { منكم يتلوا عليكم } أولا { آياتنا } آثار صفاتنا الدالة على وحدة ذاتنا { و } ثانيا: { يزكيكم } { و } ثالثا: { يعلمكم الكتاب } الموضح للدلائل والآيات المبين للآراء والمعتقدات { و } رابعا: يظهر لكم { الحكمة } الموصلة إلى توحيد الذات { و } بعد ذلك { يعلمكم } من الحقائق والمعارف { ما لم تكونوا تعلمون } [البقرة: 151] لولا إرشاده وإرساله.
وإذا أنعمنا عليكم بهذه النعم العظام وأتممناها لكم { فاذكروني } أيها المؤمنون بالميل الدائم والتوجه الصادق { أذكركم } بنفسات رحمانية ونسمات روحانية { واشكروا لي } بإسناد النعم إلي { ولا تكفرون } [البقرة: 152] بإسنادها إلى الوسائط والأسباب.
[2.153-157]
ثم إنه لما بالغ سبحانه في التنبيه والإرشاد، وناداهم رجاء أن يتنبهوا مع أن فطرتهم الأصلية على التوحيد الذاتي، فقال: { يآأيها الذين آمنوا } بتوحيد الذات { استعينوا } لتحققه وانكشافه { بالصبر } على ما جرى عليكم من الحوادث المنفرة لنفوسكم { والصلاة } أي: الميل والتوجه إلى جنابه لجميع الأعضاء والجوارح { إن الله } المعبر به عن الذات الأحدية { مع الصابرين } [البقرة: 153] المتحملين للبلاء لو كوشفوا.
رب اجعلنا منه بفضلك وكرمك.
{ و } مما يستعان فيه بالصبر إلى أن ينشكف سترة: الجهاد لذلك { لا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله } طالبا الوصول إلى بابه { أموات } كالأموات الأخر { بل أحياء } بحية الله الأزلي السرمدي { ولكن لا تشعرون } [البقرة: 154] بحياتهم بحياتكم المستعارة المستهلكة في الحياة الأزلية، بل هي عكس منها موت في نفسها.
{ ولنبلونكم } والله لنختبرن ولنجربن تمكنكم ورسوخكم في توحيد الذات { بشيء } قليل مما يشعر بالكثرة والاثنينية { من الخوف } الحاصل من المنفرات الخارجية: مثل الحرق والغرق والعدو وغير ذلك { والجوع } الحاصل من المنفرات الداخلية، كالحرص والأمل والبخل وغيرها { ونقص من الأموال } التي يميل قلوبكم إليها بالطبع { والأنفس } التي تظاهرون وتفتخرون بها من الأولاد والإخوان والأقارب والعشائر { والثمرات } المرتبة على الأموال والأولاد من الجاه، والمظاهرة في الغلبة على الخصماء { وبشر } يأ اكمل الرسل { الصابرين } [البقرة: 155] من أهل التوحيد وهم:
Halaman tidak diketahui