Tafsir Al-Jilani
تفسير الجيلاني
Genre-genre
{ و } كيف يتوجه ويدعي لغير الحق، مع أنه لا إله إلا الله، هو ولا شيء سواه؛ إذ { لله } المتأصل في الوجود، المتصف بالقيومية، لا لغيره من الأظلال الهالكة في أنفسها { يسجد } أي: يتذلل ويتضرع { من في السماوات } أي: عالم الأسماء والصفات المسمى بالأعيان الثابتة { و } من في { الأرض } أي: عالم الطبيعة من الصور والهياكل المنعكسة من الأسماء والصفات { طوعا } أي: طائعين راغبين عن خبرة واستبصار { وكرها } كارهين عن حيرة وضلال { و } أيضا يسجد له { ظلالهم } أي: لوازم هوياتهم وما يترتب علياه ملتبسين { بالغدو } أي: أول الظهور والبروز { والآصال } [الرعد: 15] أي: وقت الانمحاء والانقضاء.
[13.16-17]
{ قل } يا أكمل الرسل لمن عند الحق وجادل مع أهله مكابرة، مستفما على سبيل التبكيت والإسكات: { من رب السموت والأرض } أي: موجدهما ومظهرهما من كتم العدم ومربيهما بأنواع التربية والكرم؟ { قل } أيضا أ،ت في جواب سؤالك؛ إذ هم معزولون عن التنطق بكلمة الحق؛ إذ ختم الله على قلوبهم وأفواههم: { الله } أي: الموجد والمربي، هوالله المستقل بالألوهية والربوبية، ثم بعدما ظهر الحق { قل } لهم على سبيل التوبيخ والتقريع: { أفاتخذتم } أيها الجاهلون بالله وحق قدره { من دونه أوليآء } معبودات من جنس مصنوعاته، سيما أدونها وهي الجمادات التي { لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا } فضلا لغيرهم.
{ قل } لهم يا أكمل الرسل توبيخا وتقريعا: أيها الجاهلون المعزولون عن مقتضى العقل الفطري { هل يستوي الأعمى } الفاقد للبصر { والبصير } الواجد لها؟ { أم هل تستوي الظلمات } أي: الأعدام الهالكة في نفسها { والنور } الوجود المتشعشع في ذاته؟ { أم جعلوا } أولئك الحمقى العمي الهالكون في تيه الغفلة والضلال { لله } المنزه عن المثل والمثال { شركآء } مثله { خلقوا كخلقه } وأوجدوا لخقه وإيجاده { فتشابه الخلق عليهم } أي: حتى اشتبه عليه وتشابه خلقهم لخلقه، سبحاه عما يقول الظالمون علوا كبيرا { قل } يا أكمل الرسل إرشاد وتكميلا: { الله } المستجمع لصفات الكمال بأسرها والمربي لجميع الكائنات برمتها { خالق كل شيء } أي: مظهرها وموجدها بالاستقلال بلا مظاهرة ومشاركة { وهو } بذاته { الواحد } المستقل في الوجود { القهار } [الرعد: 16] للأإيار الهالكة في أنفسها، المنعكسة من أظلال أسمائه وأوصافه، الباقية في صرافة عدميتها الأصيلة.
ومن إشفاقه ومرحمته على عباده أن { أنزل من السمآء } أي: من العالم الروحاني { مآء } أي: ماء الإيمان والعرفان { فسالت أودية بقدرها } أي: امتلئت النفوس القابلة بقدر ما يسع في استعداداتها منها، فسالت بعدما امتلئت { فاحتمل السيل زبدا رابيا } أي: ارتفع على مياه المعارف والحقائق زيد التقليدات الحاصلة من رسوب القوى البشرية، وغش الطبيعة تسقطها على الأطراف وتصفيها عن الكدورة مطلقا { و } مثل ذلك الزبد الباطل يحصل { مما يوقدون عليه في النار } من الذهب والفضة والنحاس والحديد وغيرها حين أرادوا ذوبانها { ابتغآء حلية } أي: طلب اتخاذها منها { أو متاع } آخر من الأواني وآلات الحرب { زبد } فساد باطل في نفسه { مثله } الزبد الأول.
{ كذلك يضرب الله } المصلح لأحوال عباده { الحق والباطل } لهم؛ لكي يتنبهوا ويتفطنوا فيتبعوا الحق ويجتنبوا عن الباطل، ثم بين لهم سبحانه مآلهم توضيحا وتقريرا بقوله: { فأما الزبد } المرتفع على الماء { فيذهب جفآء } أي: يضمحل ويتلاشى بالجفاف كما أن زبد التقليدات يسقط ويضمحل بإشراق نور اليقين { وأما ما ينفع الناس } من مياه المعارف والحقائق { فيمكث } ويستقر { في الأرض } أي: الطبيعة القابلة لانعكاس أشعة الأسماء والصفات الإلهية لينبت فيها شجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء { كذلك يضرب الله الأمثال } [الرعد: 17].
[13.18-22]
{ للذين استجابوا لربهم } فطلبوا منه { الحسنى } أي: المثوبة العظمى والمرتبة العليا معتقدين إفاضتها وإعطاءها إياهم { والذين لم يستجيبوا له } مثل ماس استجاب أهل الحق ولم يعتقدوا مثل ما اعتقد أولئك المحقون لم ينالوا نصيبهم وحظهم { لو أن لهم } ملك { ما في الأرض } من الزخارف والأموال { جميعا ومثله معه } بل أضعافه وأمثاله { لافتدوا به } لنيبل ما نالوا لكن لم ينالوا، بل { أولئك } الأشقياء المردودون عن عز القبول { لهم سوء الحساب } يحاسبون على جميع ما صدر عنهم من النقير والقمطرير ويؤاخذون عليها { و } بالجملة: { مأواهم جهنم } الخذلان والطرد والحرمان { وبئس المهاد } [الرعد: 18] مهد أولئك الضالين عن منهج الرشاد.
أينكر المشرك المتمرد عن متابعتك وقبول دينك؟ { أفمن يعلم } ويصدق { أنمآ أنزل إليك من ربك } لتأييدك من الكتاب الجامع لما في الكتب السالفة من الأوامر والنواهي و الأمثال والرموز والإشارات هو { الحق } المطابق للواقع بلا شك وارتياب فيه { كمن هو أعمى } عن إبصار ما يرى في الآفاق من المبصرات، بل أشد عمى منه؛ لأنه فاقد البصيرة؛ إذ لا يمكن إدراك الأمور الدينية والمعارف اليقينية إلا بها { إنما يتذكر } ويتفطن بسرائر كتاب الله { أولوا الألباب } [الرعد: 19] المستكشفون عن لب الأمور، المعرضون عن قشوره.
ولا يحصل ذلك إلا بالبصيرة وهم { الذين يوفون بعهد الله } الذي عهدوا معه حين رش رشحات نور الوجود علىأراضي استعداداتهم { ولا ينقضون الميثاق } [الرعد: 20] الوثيق، بل يحفظونه ويواظبون على حفظه دائما.
Halaman tidak diketahui