Tafsir Al-Jilani
تفسير الجيلاني
Genre-genre
{ فلما استيأسوا منه } ومن تبديدله { خلصوا } وخرجوا من عنده { نجيا } متناجين في نفوسهم بأن ما عليه العزيم هو الحق؛ لأ أخذ البريء بدل المجرم ظلم صريح، ثم لما صمموا العزم إلى الرجوع وآيسوا من بنيامين { قال كبيرهم } رأيا وسنا، وهو روبيل أو شمعون: { ألم تعلموا } أيها المسرفون { أن أباكم قد أخذ عليكم موثقا } عظيما وعهدا وثيقا { من الله } القادر المقتدر على أنواع الغضب والانتقام أن ترجعوا به { و } أيضا لم تستحيوا من الله ولم تتذكروا { من قبل } في سالف الزمان { ما فرطتم في } حق { يوسف } من الإذلال والزجر التام والألم المفرط والإلقاء في الجب وبيعه رقيقا، وغير ذلك من أنوا الأذبات معه، وأنتم ما استحييتم من الله، تدعون وراثة الأنبياء وتنسبون أنفسكم إليهم وبعد اللتيا والتي فعلتم بأخيه أيضا هذا { فلن أبرح الأرض } أي: لا أزول عن أرض مصر { حتى يأذن لي أبي أو يحكم الله لي } بالخروج منها { وهو خير الحاكمين } [يوسف: 80].
[12.81-86]
{ ارجعوا إلى أبيكم فقولوا يأبانا إن ابنك سرق وما شهدنآ } بسرقته { إلا بما علمنا } أيقنا أنه سارق، وما علمنا إلا بالمشاهدة والإحساس بأن استخرج صاع الملك من رحله، وإنا { و } إن كنا حفيظا له رقيبا عليه عما يعرضه ويشينه لكن { ما كنا للغيب } المستور عنا { حافظين } [يوسف: 81] إذ لا اطلاع لنا على سره.
{ و } إن لم تقبل يا أبانا قولنا { سئل القرية } أي: أهلها { التي كنا فيها } لدى الحوامل وتهيئة الأسباب { و } أسهل من ذلك اسأل { العير } أي: القفل { التي أقبلنا فيها } إذ هم رفقاؤنا معنا حين سرق ابنك وأخذوه، مع أنا اجتهدنا كثيرا أن يؤخذ منا واحد بدله لم يقبلوا منا، وقالوا: ما نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده، وإن مضينا على مقتضى مقترحكم نكون من الظالمين بأخذ البريء بدل الجاني، مع أن يهودذا أو روبيل قد تخلف عنا خوفا من الحدث واستحياء منك { و } الله يا أبانا { إنا لصادقون } [يوسف: 82] فيما حينا لك عما جرى علينا مما تم.
ثم لما سمع تعقوب ما سمع تأسف وتأوه وبكى كثيرا { قال } من أين يعرف العزيز أن السارق يؤخذ لسرقته { بل سولت } أي: زينت حسنت { لكم أنفسكم أمرا } أن تفرقوا أبني عني ظلما وزورا كما فرقتم أخاه فيما مضى { فصبر جميل } أي: أمري صبر جميل؛ إذ الصبر أجمل مني فيما فرطتم في ابني أيها المسرفون المفسدون { عسى الله } المطالع بحالي وحزني بمقتضى لطفه وسعة جوده ورحمته { أن يأتيني بهم } أي: يوسف وأخيه وكبيركم المتخلف عنكم { جميعا } مجتمعين { إنه } سبحانه ذاته { هو العليم } بمناجاة عباده ونيلهم إلى حاجاتم { الحكيم } [يوسف: 83] في أفعاله على مقتضى مصالح عباده.
{ و } بعدما سمع منهم أبوهم { تولى } وانصرف وأعرض { عنهم } مغاضبا عليهم مشتكيا إلى ربه من أفعالهم { وقال } من شدة حزنه وكآبته وهاية ضجرته على مفارقة ابنيه: { يأسفى } أي: يا حزني وشدة بلائي ويا حسرتي وحرقة قلبي وكبدي، وبالجملة: يا هلكتي تعالي؛ إذ لم يبق بيني وبينك ما يبعدني عنك ويبعدك عني { على يوسف } خصه بالذكر لأنه عمدة محبته وزبدة مودته، مع أنه يتردد في حياته ويجزم بحياة الآخرين { و } لما تمادى ألمه تطاول حزنه وأسفه { ابيضت عيناه من } كثرة { الحزن } قبل فقدان هذين الابنين وبعد فقدانهما { فهو } نفسه { كظيم } [يوسف: 84] مملوء من الحزن والبلاء كأنه مجسم منها، متجرع الغصص والألم من بنيه.
ثم لما رأى الناس ما رأوا منه من قلة الأكل والشرب وذوبان الجسم ونقصان القوى البشرية والسهر المفرط واستمرار الأسف والحزن { قالوا } متعجبين من حاله مقسمين على هلاكه: { تالله تفتؤا } أي: لا تزال { تذكر يوسف } على هذا المنوال { حتى تكون حرضا } مريضا مهزولا مدقوقا مشرفا على الهلاك { أو تكون من الهالكين } [يوسف: 85].
ثم لما بالغوا في منعه عما عليه من الكآبة والحزن والتأوه والبكاء { قال } في جوابهم مستنكرا عليهم: { إنمآ أشكو بثي } أي: ما أبث وأنشر شكواي { وحزني } المفرط الخارج عن التصبر { إلى الله } المطلع لما في قلبي من الحرقة والألم؛ رجاء أن يزيل عني ما يؤذيني ويوصلني بلفطه وجوده إلى ما يسرني ويفرج عني { و } اعلوا أيها اللائممون المبالغون في منعي أنهي بإلهام الله ووحيه إلي { أعلم من } كرم { الله } وسعة جوده وفضله { ما لا تعلمون } [يوسف: 86] أنت أيها اللائمون، بل إنما حملني الله وأزعجني على بث الشكوى ونشر النجوى معه وإظهار التذلل والخشوع والتضرع والخضوع نحوه، حتى لا أقنطه عن ملاقاة يوسف ولا أترك المناجاة مع الله لأجله وإن تطاولت المدة.
[12.87-90]
ثم لما استروح يعقوب من روح الله واستنشق من نسمات رحمته، نادى بنيه نداء مرحمة وإشفا؛ ليقبلو إليه بعدما آيسوا عنه وعن عطفه؛ إذ بالغوا في سوء الأدب معه وإيقاعه بانواع المحن والشدائد، فقال: { يبني اذهبوا } إلى مصر مرة أخرى { فتحسسوا } أي: تفحصوا وتطلبوا أصالة { من يوسف وأخيه } بنيامين تبعا { ولا تيأسوا } أي: لا تقنطوا يا بني { من روح الله } وتنفيسه تفريجا لهم؛ إذ نحن معاشر الأنبياء لا يليق بنا اليأس والقنوط عن كرم الله وجوده في حال من الأحوال { إنه لا ييأس } أي: لا يقنط { من روح الله } وكمال قدرته وسعة جوده { إلا القوم الكافرون } [يوسف: 87] الساترون بغيوم هوياتهم الباطلة شمس الحق السارية المتجلية في الآفاق الفائضة عليهم سجال الفضل والكرم على مقدار قابلياتهم واستعدادتهم.
Halaman tidak diketahui