249

وكيف يشكون ويرددون أولئك المصرون المعاندون في سعة قدرته، وتستبعدون منه إنجاز ما وعده؛ إذ { هو يحيي } أي: يظهر، ويوجد بالتجلي الحبي أولا هياكلهم وأشباحهم مع أنهم لم يكونوا شيئا مذكورا { و } بعد إظهارهم وإحيائهم { يميت } ويعدم بالتجلي القهري على ما هم عليه من العدم { و } كيف لا يقدر على إعادتهم أحياء للجزاء والحساب بعد إماتتهم؛ إذ هم بجميع أمورهم وأحوالهم { إليه } لا إلى غيره؛ إذ لا غير في الوجود سواه { ترجعون } [يونس: 56] رجوع الأضواء والأظلال إلى الشمس.

{ يأيها الناس } الناسين المنشأ الأصلي والوطن الحقيقي { قد جآءتكم } لإيقاظكم وانتباهكم { موعظة } وتذكير { من ربكم وشفآء لما في الصدور } أي: تشفيه لغليلكم وأكنتكم المستكنة في صدوركم { وهدى } هاديا لأرباب الغاية والوصول إلى مقر التوحيد { ورحمة } عامة شاملة { للمؤمنين } [يونس: 57] من أصحاب البر والتقوى فعليكم أن تتعظوا وتتذكروا بأحكامه، وتتأملوا في رموزه وإشاراته، وتدبروا في مفاتحه ومطعاله، حتى تنكشفوا منه بقدر وسعكم وطاقتكم ما تنكشفوا، والله الهادي إلى جنابه من يشاء من عباده وهو العزيز الحكيم.

{ قل } يا أكمل الرسل لمن تبعك إرشادا لهم وتذكيرا: { بفضل الله } وحسن قبوله وشرف عزه وحضوره { وبرحمته } الواسعة المتسعة لجميع مظاهره فليتشرفوا ولينكشفوا { فبذلك } التلذذ والحضور الحقيقي { فليفرحوا } بدل ما لم يتلذذوا ولم يفرحوا بالمستلذات الجسمانية الفانية المتناهية { هو } أي: فرحكم وسروركم الروحاني { خير مما يجمعون } [يونس: 58] من أهوية نفوسكم ومقتضيات هوياتكم إن كنتم موقنني مخلصين.

[10.59-61]

{ قل أرأيتم } أي: أخبروني كيف كفرتم في { مآ أنزل الله لكم } لمعاشكم وتقوية مزاجكم { من رزق } مسوق إليكم محصل بأسباب سماوي مباح لكم { فجعلتم } من تلقاء أنفسكم { منه حراما وحلالا } أي: حرمتم بعضه وحللتم بعضا آخر بلا ورود شرع { قل } لهم يا أكمل الرسل إلزاما وتقريعا: { ءآلله أذن لكم } بهذه التفرقة والقسمة { أم على الله تفترون } [يونس: 59] بنسبتها إليه.

{ وما ظن } أي: أي شيء ظن أولئك المفترون { الذين يفترون على الله الكذب } بأنهم لم يجاوزوا ولم يؤاخذوا { يوم القيامة } على افترائهم على الله ما لم يصدر عنه، بل إنهم مؤاخذون على جرأتهم على الله وافترائهم به، سيما بعد ورود الزواجر والروادع من الآيات الدالة على امتناعهم عنها فلم يمتنعوا { إن الله } المصلح لأحوال عباده { لذو فضل } عظيم { على الناس } بإنزال الكتب وإرسال الرسل المنبهين على ما هو الأصلح لهم وأليق بحالهم { ولكن أكثرهم } بجهلهم وخبث باطنهم { لا يشكرون } [يونس: 60] نعمه بل ينكرون ويكفرون بها عنادا ومكابرة.

{ و } كيف ينكرون رسالتك ووحيك من الله وتأييدك من عنده سبحانه؛ إذ { ما تكون في شأن } وأمر من ادعاء الرسالة من الله والتشريع من جانبه بلا إذن منه { وما تتلوا منه من قرآن } مدعيا نزوله من عنده بلا وحيه وإنزاله { ولا تعملون } أنتم أضا { من عمل } صالح أو طالح، خير أو شر { إلا كنا } بذاتنا وأوصافنا وأسمائنا { عليكم شهودا } حضراء رقباء، مطلعين على جميع ما جئتم به وقت { إذ تفيضون } أي: تخوضون وتقصدون الشروع { فيه } أول الذب عنه { و } كيف لا نطلع عليها ولا يحيط علمنا بها وشهودنا إياها؛ إذ { ما يعزب } أي: لا يغيب ويبعد { عن ربك } ومربيكم أيها المظهر الجامع لجميع المراتب الكونية والكيانية والمتخلق بجميع الأخلاق الإلهية { من مثقال ذرة } كائنة { في } أقطار { الأرض ولا } كائنة { في السمآء } وفضائها { و } كيف يعزب ويغيب عن حيطة علمه شيء؛ إذ { لا أصغر من ذلك } المقدار { ولا أكبر إلا في كتاب مبين } [يونس: 61] ظاهر الإبانة والظهور بالنسبة إلى أرباب الولاء، الباذلين أرواحهم في طريق الفناء، المستغرقين في بحر الوحدة، الفانين عن هوياتهم بالمرة.

[10.62-66]

{ ألا إن أوليآء الله } المنخلعين عن لوازم البشرية بالكلية المنسلخين عن مقتضيات أهوية نفوسهم رأسا { لا خوف عليهم ولا هم يحزنون } [يونس: 62] إذ الخوف والحزن إنما هي من لوازم الطبيعة ومن ارتكاب مقتضياتها.

وبعدما انسلخوا عنها وتجردوا عن لوازمها وفانوا في هوية الحق وصاروا ما صاروا، لم يبق فيهم مبدأ الخوف والحزن والأمن والسرور؛ إلا لا يتصف الفاني بأمثال هذه الأضداد، وهم { الذين آمنوا } بالله في بداية سلوكهم؛ أي: تحققوا بمقام اليقين العلمي { و } بعد تمكنهم وتقررهم فيه { كانوا يتقون } [يونس: 63] ويحذرون من سطوة سلطنة صفاته الجلالية لانغماسهم بشواغل أهوية الهويات وانهماكهم بعلائق التعينات.

Halaman tidak diketahui