Tafsir Al-Jilani
تفسير الجيلاني
Genre-genre
{ فأعقبهم } الله بسبب فعلهم هذا { نفاقا } راسخا متمكنا { في قلوبهم } مستمرا { إلى يوم يلقونه } أي: الله سبحانه في يوم الجزاء، فيجازيهم على مقتضى نفاقهم وشقاقهم أسوأ الجزاء؛ ذلك { بمآ أخلفوا الله ما وعدوه } من الصدق والصلاح، والشكر والفلاح، ونقضوا عهده { وبما كانوا يكذبون } [التوبة: 77] أي: ويكذبهم حين العهد والميثاق بلا موافقة من قبلهم.
{ ألم يعلموا } حين هموا إلى القول الكذب مع الله { أن الله } المطلع لضمائرهم { يعلم } بعلمه الحضوري { سرهم } إي: إخلافهم الوعد من حصول المطلوب { ونجواهم } أي: مناجاتهم معه لا عن إخلاص ناشئ من محض المعرفة والإيمان بالله، والإقرار بربوبيته؛ لرسوخ الكفر والشرك في جبلتهم { و } لم يعلموا أيضا { أن الله علام الغيوب } [التوبة: 78] لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء، فمن آمن بتوحيده وإحاطة علمه وقدرته، كيف خرج عن أمره وإطاعته؟.
ومن المنافقين المصرين على النفاق والشقاق مع المؤمنين، هم { الذين يلمزون } ويتسهزئون { المطوعين } المتطوعين { من المؤمنين في } إعطاء { الصدقات } خصوصا المؤمنين { والذين لا يجدون } من الصدقة { إلا جهدهم } أي: يبذلون مقدار طاقتهم؛ طلبا لمرضاة الله { فيسخرون } أولئك اللامزون المستهزئون { منهم } أي: من الذين بذلوا جهدهم في أمر الصدقة { سخر الله منهم } في الآخرة؛ مجازاة على سخريتهم هذه { ولهم } فيها { عذاب أليم } [التوبة: 79] بدل لذتهم بسخريتهم.
وذلك أنه صلى الله عليه وسلم حث المؤمنين يوما على الصدقة، فجاء عبد الرحمن بن عوف بأربعة آلاف دينار وقال: لي ثمانية آلاف فأقرضت ربي أربعة آلاف، وأمسكت لعيالي أربعة، فقال: صلى الله عليه وسلم:
" بارك الله لك فيما أعطيت، وفيما أمسكت ".
وأتى عاصم بن عدي بمائة وسق من تمر، وجاء عقيل الأنصاري بصاع تتمر، فقال: بت ليلتي أجر بالجرير الماء حتى نلت صاعين من تمر، وتركت صاعا لعيالي، وأتيت بالآخر، فأمره صلى الله عليه وسلم أن ينثره على الصدقات تبركا، فلمزهم المنافقون، فقالو: ما أعطى عبد الرحمن وعاصم إلا رياء، ولقد كان الله ورسوله غنيين عن صاع عقيل، ولكنه أحب أن يعد نفسه مع المتصدقين فنزلت.
{ استغفر لهم } يا أكمل الرسل لهؤلاء اللازمين المستهزئين، المستسخرين من المؤمين بإنقاذهم من العذاب أو تخفيفه { أو لا تستغفر لهم } سواء عند الله في انتقامهم وعذابهم، بل { إن تستغفر لهم } لا مرة ولا مرتين، بل { سبعين مرة فلن يغفر الله لهم } ألبتة؛ لعظم جرمهم وفسقهم { ذلك } أي: عدم غفرانهم { بأنهم كفروا بالله } وأشركوا معه غيره في الألوهية، مع أنه منزه عن الشريك مطلقا { ورسوله } أي: كذبوا رسوله، وبما جاء به من عند ربه، واستهزءوا بالمؤمنين المصدقين له، المتصفين في سبيل الله { والله } الهادي لعباده { لا يهدي القوم الفاسقين } [التوبة: 80] عن مقتضى أوامر الله ونواهيه المسيئين الأدب مع الله ورسوله والمؤمنين.
[9.81-85]
ثم قال سبحانه: { فرح } المنافقون { المخلفون } عن رسول الله، المتخلفون لأمره، المتمكنون { بمقعدهم } أي: بمكان قعودهم { خلاف رسول الله } حين خرج إلى غزوة تبوك { و } ما ذلك؛ أي: قعودهم واستقرارهم بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم في مكانهم، إلا أنهم { كرهوا أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله } لخبث باطنهم وقسوة قلوبهم { وقالوا } أيضا للمؤمنين تقريرا وتكسيلا: { لا تنفروا في الحر } أي: لا تجاهدوا ولا تقاتلوا في الصيف حتى لا تضعفوا أنتم ومواشيكم { قل } لهم يا أكمل الرسل: { نار جهنم } البعد والخذلان التي استوجبتم بها بتخلفكم وقعودكم عن الجهاد { أشد حرا } وأبلغ إحراقا وإيلاما { لو كانوا يفقهون } [التوبة: 81] ويفهمون ما هي وكيف هي لم يختاروها على حر الدنيا.
{ فليضحكوا } أولئك المتخلفون الهالكون في العذاب المؤبد، والوبال المخلد { قليلا } في الدنيا { وليبكوا كثيرا } لما لحقهم بعد خروجهم منها من أنواع العذاب والنكال { جزآء بما كانوا يكسبون } [التوبة: 82] فيها من الجرائم العظائم والمعاصي، والآثام.
Halaman tidak diketahui