224

فأمر العباس أن يصيح على الناس المنهزمين فصاح: يا عبد الله، يا أصحاب الشجرة، يا أصحاب سورة البقرة، فكروا عنقا واحدا، فاستقبلوا قائلين: لبيك لبيك فصفوا خلف الملائكة وازدحموا، وهجموا على العدو، والريح من خلفهم ومن أمام عدوهم فانهزم العدو بنصر الله وتأييده "

{ ثم يتوب الله من بعد ذلك } عليهم ويوفق منهم { على من يشآء } إيمانه من أولئك المنهزمين، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وآمنوا فأعطى صلى الله عليه وسلم من سبى منهم بلا فدية { والله } المصلح لأحوال عباده { غفور } يغفر لمن تاب وآمن { رحيم } [التوبة: 27] يقبل توبته، ويرحم عليه إن أخلص.

[9.28-29]

ثم قال سبحانه: { يأيها الذين آمنوا } مقتضى إيمانمكم: أن تذبوا وتدفعوا أهل الشرك عن الحرم { إنما المشركون } المنغمسون في خباثة الشرك والضلال { نجس } يجب أن يطهر بيت الله منهم { فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا } أي: سنة حجة الوداع { وإن خفتم } أيها المؤمنون؛ بسبب إخراجهم ومنعهم عن الحرم { عيلة } فقرا وقلة زاد ومكتسب { فسوف يغنيكم الله من فضله } وسعة رزقه { إن شآء } ترفهكم واتساعكم { إن الله } المدبر لأمور عباده { عليم } بمصالحهم { حكيم } [التوبة: 28] في إتيانها عند الحاجة ومقدارها.

وبالجملة: { قاتلوا } أيها الغزاة الحماة لدين الله المشركين { الذين لا يؤمنون بالله } وتوحيده { ولا باليوم الآخر } المعد لجزاء الأعمال، وإن تفوهوا بالإيمان مداهنة ونفاقا لا تبالوا بإيمانهم { و } هم ليسوا مراعين مقتضى الإيمان؛ إذ { لا يحرمون } من المحرمات { ما حرم الله ورسوله } بإذنه سبحانه { و } بالجملة: { لا يدينون } ولا ينقادون { دين الحق } المنزل على الحق؛ ليصلوا إلى مقر التوحيد، وإن كانوا يدعون أنهم { من الذين أوتوا الكتاب } أي: يدعون إتيانه إياهم؛ إذ هم ليسوا على مقتضى الكتاب، وإن ادعوا بهم وبادعائهم، بل قاتلوهم إلى أن تذلوهم وتصاغروهم { حتى يعطوا الجزية } هي التي تجزى بها دينهم حماية له { عن يد } أي: حال كون إعطائهم صادرة منهم عن يد قاهرة غالبة عليهم { وهم } في حين الإعطاء { صاغرون } [التوبة: 29] ذليلون مهانون، يؤخذ من لحاهم، ويضرب في لهازمهم.

[9.30-31]

{ و } بالجملة: خذوا الجزية منهم على وجه تضطروهم وتلجئوهم إلى الإيمان وكيف لا يقتل هؤلاء الكفرة المشركون؟! { قالت اليهود } منهم: { عزير ابن الله } المنزه عن التزوج والازدواج، والأبوة والبنوة؛ إذ هي من لوازم البشر { وقالت النصارى } أيضا { المسيح ابن الله } تعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا { ذلك } القول المهمل { قولهم } دائما جاريا { بأفواههم } وأن فرض مخالفة اعتقادهم قولهم فلا أقل: إنهم { يضاهئون } ويشابهون قولهم هذا { قول الذين كفروا } وأشركوا { من قبل } بأمثال هذه المهملات، حيث قالوا: الملائكة بنات الله؛ لذلك { قاتلهم الله } وأهلكهم بأمثال هذه المقالات المهملة { أنى يؤفكون } [التوبة: 30] أي: كيف يصرفون أيها الناكبون عن الطريق الحق الصريح إلى الباطل الزائغ الزائل؟!.

وبالجملة: { اتخذوا } من فرط جهلهم وخبث طينتهم { أحبارهم ورهبانهم أربابا } مستقلين في الوجود، ومتأصلين فيه { من دون الله } المنزه عن الشريك مطلقا، المستقل في الوجود، المتفرد فيه بلا وجود لغيره أصلا، يعبدونهم كعبادة الله { و } خصوصا { المسيح ابن مريم و } الحال أنهم { مآ أمروا } في كتبهم التي يدعون بمقتضاها { إلا ليعبدوا إلها واحدا } أحدا صمدا، فردا وترا، لم يتخذ صاحبة ولا ولدا؛ إذ { لا إله } ولا موجود { إلا هو سبحانه عما يشركون } [التوبة: 31] له من مصنوعاته وأضلاله.

[9.32-33]

{ يريدون } بأمثال هذه المفتريات الباطلة { أن يطفئوا } أي: يخمدوا ويستروا { نور الله } المتجلي في الآفاق، المتشعشع في الكائنات { بأفوههم } أي: بشركهم الناشئ من أفواههم بلا سند من عقل أو نقل، أو كشف وشهود { ويأبى } أي: يمنع { الله } المنز عن التعدد مطلقا أن يكون له شريك في الوجود { إلا أن يتم نوره } أي: سوى أن يتجلى بجميع أوصافه وأسمائه على من استخلفه من خلقه، فيتراءى منه جميع آثار أسمائه وأوصافه وأخلاقه، ألا وهو المظهر الكامل، الجامع المحمدي الذي اتحد دون مرتبته صلى الله عليه وسلم قوسا الوجوب والإمكان، ودائرتا الغيب والشهادة.

Halaman tidak diketahui