Tafsir Al-Jilani
تفسير الجيلاني
Genre-genre
{ وبينهما } أي: بين الموحدين المتمكنين في نعيم الجنان، المشرفين بشرف لقاء الرحمن، والمشركين المحبوسين في سجين الإمكان، المتحرقين بنيران الخذلان والحرمان { حجاب } لا يدرك كنهه إلا العليم العلام { وعلى الأعراف } أي: البرزخ { رجال } من الأبرار { يعرفون كلا } من الفريقين { بسيماهم } أي: بوجوههم التي يلي الحق والباطل وهم متقربون في البرزخ لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء { ونادوا } أهل البرزخ { أصحاب الجنة أن سلام عليكم } هنيئا لكم، ما تتنعمون فيها وتتمتعون بها حال كونهم { لم يدخلوها وهم يطمعون } [الأعراف: 46] دخولها من فضل الله وسعة رحمته وجوده.
{ وإذا صرفت أبصارهم } أي: أبصروا بذلك البرزخ { تلقآء أصحاب النار قالوا } متضرعين متخشعين: { ربنا } وإن صدر عنا من التقصير ما صدر { لا تجعلنا } بلطفك { مع القوم الظالمين } [الأعراف: 47] الخارجين عن حدودك مطلقا عنادا وإصرارا.
[7.48-51]
{ ونادى أصحاب الأعراف } على وجه التوبيخ والتقريع { رجالا } من صناديدهم كانوا { يعرفونهم بسيماهم } بوجوههم الباطلة من المال والجاه والرئاسة والتفوق وغيرها { قالوا } لهم متهكمين: { مآ أغنى عنكم جمعكم } أي: ما أسقط جمعكم المال وجمعيتكم بسببب الجاه شيئا من عذاب الله { وما كنتم تستكبرون } [الأعراف: 48] أي: ما يفيد لكم استكباركم على خلق الله وعن آياته اليوم؟!
انظروا أيها الحمقى { أهؤلاء } المترفهون المتنعمون في مقر العز والتمكن هم { الذين أقسمتم } في النشأة الأولى أنهم { لا ينالهم الله برحمة } في النشأة الأخرى، كيف قبل لهم من قبل الحق تفضلا وامتنانا عليهم: { ادخلوا الجنة } التي هي دار الأمن والأمان { لا خوف عليكم } بعدما دخلتم فيها { ولا أنتم تحزنون } [الأعراف: 49] أصلا من فوت شيء وتعويقه.
{ ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة } متمنين منهم متحسرين: { أن أفيضوا } صبوا { علينا } رشحة { من المآء } الذي هو سبب حياتكم الحقيقي وبقائكم السرمدي { أو مما رزقكم الله } من الرزق المعنوي { قالوا } في جوابهم بإلهام الله إياهم: { إن الله } المطلع الاستعدادات عباده { حرمهما على الكافرين } [الأعراف: 50].
{ الذين اتخذوا دينهم } الذي هو سبب الحياة الحقيقية في حياتهم الصورية ونشأتهم الدنيوية { لهوا ولعبا } يلهون ويلعبون به ويكذبون من أرسل إليهم وأنزل عليهم الكتب لتبيينه { و } ما ذلك إلا أن { غرتهم الحيوة الدنيا } بمزخرفاتها من اللذات الجسمانية والشهوات النفسانية، وصاروا بسبب تغريراتها ناسين العهود والمواثيق التي جرت بيننا وبينهم في بدء فطرتهم { فاليوم } أي: حين كشف السرائر وارتفعت الحجب { ننسهم } ولم نلتفت نحوهم { كما نسوا } في النشأة الأولى { لقآء يومهم هذا } في النشاة الأخرى مع ورود الإنذارات التخويفات الجارية على ألسنة الرسل و الكتب { وما } أي: وكما { كانوا بآيتنا } الدالة على أمثال هذه الإنعامات { يجحدون } [الأعراف: 51] ينكرون ويصرون كذلك يخدلون في النار وينسون.
[7.52-53]
{ و } كيف لا يخلدون في النار { لقد جئناهم بكتاب } مبين لجميع أحوال النشأتين { فصلناه } أي: أوضحنا معانيه وبينا ما فيه من العقائد والأحكام مفصلا { على علم } حضوري منا متعلق بتفصيله بحيث لا يشذ عن علمنا شيء أصلا، وإنما فصلناه وأوضحناه وجئنا به؛ ليكن { هدى } هاديا ومرشدا لهم إلى توحيدنا { ورحمة } مخلصة لهم عن سجين الطبيعة { لقوم يؤمنون } [الأعراف: 52] به وبحقيقته.
وبعدما آمنوا به وبما فيه من أحوال النشأة الأولى والأخرى { هل ينظرون } أي: ما ينتظرون هؤلاء المؤمنون { إلا تأويله } أي: ما يؤول إليه ويترتب عليه بعدما حصل لهم الإذعان بالوقوع { يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه } ونبذوه وراء ظهورهم { من قبل قد جآءت رسل ربنا } ملتبسا { بالحق } المطابق للواقع فكذبناهم مكابرة وعنادا { فهل لنا } اليوم { من شفعآء فيشفعوا لنآ } ليخلصونا من نكال ما أجرمنا { أو نرد } بشفاعتهم على أعقابنا { فنعمل غير الذي كنا نعمل } في أيام الغفلة، وهم { قد خسروا أنفسهم } بالكفر والشرك وعبادة الغير { و } مع ذلك { ضل } غاب وخفي { عنهم } لدى الحاجة { ما كانوا يفترون } [الأعراف: 53] لشركائهم من الشفاعة المظاهرة.
Halaman tidak diketahui