Tafsir Al-Jilani
تفسير الجيلاني
Genre-genre
ثم قال سبحانه: { إن الذين توفاهم الملائكة } وهم الذين بقوا في مكة، ولم يهاجروا مع رسول الله ولا بعده، فاستزلهم العدو، وأخرجوهم إلى قتال رسول الله يوم بدر، فقتلهم الملائكة حين إمدادهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم { ظالمي أنفسهم } بتوطينها بين العدو مع القدرة على الهجرة، مع أنه حينئذ لا يقبل منهم الإيمان بلا هجرة، ثم نسخ بعد الفتح لذلك قال عليه السلام:
" لا هجرة بعد الفتح "
{ قالوا } أي: الملائكة لهم حين أظهروا الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم { فيم كنتم } في أي أمر وشأن من دينكم مع كونكم بين أعداء الله ورسوله؟ { قالوا } في جوابهم معتذرين: { كنا مستضعفين } محبوسين { في الأرض } أرض العدو حين استزلونا وأخرجونا إلى قتال رسول الله { قالوا } أي: الملائكة موبخين لهم مقرعين تبكيتا والزاما: { ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها } مع كونكم غير ملجئين على القعود { فأولئك } البعداء المداهنون مع الأعداء المظاهرين لهم { مأواهم } ومثواهم { جهنم } البعد عن جوار الله وسعة رحمته { وسآءت } جهنم { مصيرا } [النساء: 97] مآبا ومتقلبا لهم.
{ إلا المستضعفين من الرجال } الذين استضعهم المرض أو الهرم أو عدم المكنة { والنسآء } لأنهن لسن متكلفات بالهجرة إلا مع أزواجهن { والولدان } وهم ليسوا من أهل التكليف، وبالجملة: المستضعفون هم الذين { لا يستطيعون حيلة } أي: لا يقدرون على إحداث حيلة تنجيهم عن أعدائهم { ولا يهتدون سبيلا } [النساء: 98] يوصلهم إلى أوليائهم حتى يهاجروا.
{ فأولئك } المضطربون في أمر الهجرة المستضعفون في يد العدو { عسى الله أن يعفو عنهم } أي: يمحو عن صحائف أعمالهم زلتهم الاضطرارية، ويغفر ذنوبهم كسائر المؤمنين إن كانوا مخلصين في الإيمان { وكان الله } المطلع لسرائر عباده ونيابتهم { عفوا } لمن أخلص { غفورا } [النساء: 99] لمن تاب ورجع.
[4.100-101]
{ ومن يهاجر } عن بقعة الإمكان التي هي أرض الطبيعة سالكا { في سبيل الله } الذي هو الصراط المستقيم الموصل إلى الفناء فيهن، متوجها إلى الفوز ببقائه الأزلي السرمدي { يجد في الأرض } أرض الطبيعة { مرغما كثيرا } أي: بوادي وأودية من اللذات الوهمية، كثر وقوفه فيها إلى أن ينجو { و } يجد أيضا { سعة } مخرجا من تلك المضائق حسب إخلاصه في سلوكه إلى أن يفوز بمطلوبه { و } بالجملة: أن { من يخرج من بيته } أي: هويته الباطلة في نفسها حال كونه { مهاجرا إلى } توحيد { الله و } متابعة { رسوله ثم يدركه الموت } الإرادي فمات عن لوازم البشرية مطلقا { فقد وقع أجره على الله } كما قال سبحانه في الحديث القدسي:
" من أحبني أحببته، ومن أحببته قتلته، ومن قتلته فعلي ديته، ومن علي ديته فأنا ديته ".
من هذا تفطن العارف أن ليس وراء الله مرمى، وإياك أن تتقيد بهويتك ولوازمها، ومتى تخلصت عنها وعن لوازمها وصلت، بل اتصلت { وكان الله } المرشد لعباده إلى توحيده { غفورا } لذنوب أنانيتهم وهيتهم { رحيما } [النساء: 100] لهم يوصلهم إلى ما يتوجهون نحو.
ثم قال سبحانه: { وإذا ضربتم } سافرتم { في الأرض } لا لمعصية، بل لمصلحة دينية من تجارة وغزو وحج وصلة وطلب علم، وغير ذلك { فليس عليكم جناح } ضيق وزر { أن تقصروا من الصلوة } الرباعية ركعتين { إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا } بالاحتيال والاغتيال { إن الكافرين كانوا } دائما { لكم عدوا مبينا } [النساء: 101] ظاهر العداوة مترصدين للفرصة.
Halaman tidak diketahui