Tafsir Al-Baghawi
معالم التنزيل في تفسير القرآن = تفسير البغوي
Editor
حققه وخرج أحاديثه محمد عبد الله النمر - عثمان جمعة ضميرية - سليمان مسلم الحرش
Penerbit
دار طيبة للنشر والتوزيع
Edisi
الرابعة
Tahun Penerbitan
١٤١٧ هـ - ١٩٩٧ م
مِصْفَارًا (١) أَزْرَقَ (٢) أَمْعَرَ (٣)، فَدَعَاهُ طَالُوتُ، وَيُقَالُ: بَلْ خَرَجَ طَالُوتُ إِلَيْهِ فَوَجَدَ الْوَادِيَ قَدْ سَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الزَّرِيبَةِ الَّتِي كَانَ يُرِيحُ إِلَيْهَا، فَوَجَدَهُ يَحْمِلُ شَاتَيْنِ يُجِيزُ بِهِمَا السَّيْلَ وَلَا يَخُوضُ بِهِمَا الْمَاءَ فَلَمَّا رَآهُ قَالَ: هَذَا هُوَ لَا شَكَّ فِيهِ، هَذَا يَرْحَمُ الْبَهَائِمَ فَهُوَ بِالنَّاسِ أَرْحَمُ فَدَعَاهُ وَوَضَعَ الْقَرْنَ عَلَى رَأْسِهِ فَفَاضَ فَقَالَ طَالُوتُ: هَلْ لَكَ أَنْ تَقْتُلَ جَالُوتَ وَأُزَوِّجُكَ ابْنَتِي وَأُجْرِي خَاتَمَكَ فِي مُلْكِي قَالَ: نَعَمْ قَالَ: وَهَلْ آنَسْتَ مِنْ نَفْسِكَ شَيْئًا تَتَقَوَّى بِهِ عَلَى قَتْلِهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَنَا أَرْعَى فَيَجِيءُ الْأَسَدُ أَوِ النَّمِرُ أَوِ الذِّئْبُ فَيَأْخُذُ شَاةً فَأَقُومُ إِلَيْهِ فَأَفْتَحُ لِحْيَيْهِ عَنْهَا وَأَضْرِقُهَا إِلَى قَفَاهُ، فَرَدَّهُ إِلَى عَسْكَرِهِ، فَمَرَّ دَاوُدُ ﵇ فِي طَرِيقِهِ بِحَجَرٍ فَنَادَاهُ الْحَجَرُ يَا دَاوُدُ احْمِلْنِي فَإِنِّي حَجَرُ هَارُونَ الَّذِي قَتَلَ بِي مَلِكَ كَذَا، فَحَمَلَهُ فِي مِخْلَاتِهِ، ثُمَّ مَرَّ بِحَجَرٍ آخَرَ فَقَالَ: احْمِلْنِي فَإِنِّي حَجَرُ مُوسَى الَّذِي قَتَلَ بِي مَلِكَ كَذَا وَكَذَا فَحَمَلَهُ فِي مِخْلَاتِهِ، ثُمَّ مَرَّ بِحَجَرٍ آخَرَ فَقَالَ: احْمِلْنِي فَإِنِّي حَجَرُكَ الَّذِي تَقْتُلُ بِي جَالُوتَ فَوَضَعَهَا فِي مِخْلَاتِهِ، فَلَمَّا تَصَافُّوا لِلْقِتَالِ وَبَرَزَ جَالُوتُ وَسَأَلَ الْمُبَارَزَةَ انْتُدِبَ لَهُ دَاوُدُ فَأَعْطَاهُ طَالُوتُ فَرَسًا وَدِرْعًا وَسِلَاحًا فَلَبِسَ السِّلَاحَ وَرَكِبَ الْفَرَسَ وَسَارَ قَرِيبًا ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى الْمَلِكِ فَقَالَ: مَنْ حَوْلَهُ جَبَنَ الْغُلَامُ فَجَاءَ فَوَقَفَ عَلَى الْمَلِكِ فَقَالَ: مَا شَأْنُكَ؟ فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ إِنْ لَمْ يَنْصُرْنِي لَمْ يُغْنِ عَنِّي هَذَا السِّلَاحُ شَيْئًا، فَدَعْنِي أُقَاتِلْ كَمَا أُرِيدُ، قَالَ: فَافْعَلْ مَا شِئْتَ قَالَ: نَعَمْ، فَأَخَذَ دَاوُدُ مِخْلَاتَهُ فَتَقَلَّدَهَا وَأَخَذَ الْمِقْلَاعَ وَمَضَى نَحْوَ جَالُوتَ وَكَانَ جَالُوتُ مِنْ أَشَدِّ الرِّجَالِ وَأَقْوَاهُمْ، وَكَانَ يَهْزِمُ الْجُيُوشَ وَحْدَهُ وَكَانَ لَهُ بَيْضَةٌ (٤) فِيهَا ثَلَاثُمِائَةِ رَطْلِ حَدِيدٍ فَلَمَّا نَظَرَ إِلَى دَاوُدَ أُلْقِيَ فِي قَلْبِهِ الرُّعْبُ فَقَالَ لَهُ: أَنْتَ تَبْرُزُ إِلَيَّ؟ قَالَ: نَعَمْ.
وَكَانَ جَالُوتُ عَلَى فَرَسٍ أَبْلَقَ (٥) عَلَيْهِ السِّلَاحُ التَّامُّ، قَالَ: فَأَتَيْتَنِي بِالْمِقْلَاعِ وَالْحَجَرِ كَمَا يُؤْتَى الْكَلْبُ؟ قَالَ: نَعَمْ أَنْتَ شَرٌّ مِنَ الْكَلْبِ، قَالَ لَا جَرَمَ لَأَقْسِمَنَّ لَحْمَكَ بَيْنَ سِبَاعِ الْأَرْضِ وَطَيْرِ السَّمَاءِ قَالَ دَاوُدُ: أَوْ يُقَسِّمُ اللَّهُ لَحْمَكَ، فَقَالَ دَاوُدُ: بِاسْمِ إِلَهِ إِبْرَاهِيمَ وَأَخْرَجَ حَجَرًا ثُمَّ أَخْرَجَ الْآخَرَ وَقَالَ: بِاسْمِ إِلَهِ إِسْحَاقَ وَوَضَعَهُ فِي مِقْلَاعِهِ ثُمَّ أَخْرَجَ الثَّالِثَ وَقَالَ: بِاسْمِ إِلَهِ يَعْقُوبَ وَوَضَعَهُ فِي مِقْلَاعِهِ فَصَارَتْ كُلُّهَا حَجَرًا وَاحِدًا وَدَوَّرَ دَاوُدُ الْمِقْلَاعَ وَرَمَى بِهِ فَسَخَّرَ اللَّهُ لَهُ الرِّيحَ حَتَّى أَصَابَ الْحَجَرَ أَنْفَ الْبَيْضَةِ فَخَالَطَ دِمَاغَهُ وَخَرَجَ مِنْ قَفَاهُ وَقَتَلَ مِنْ وَرَائِهِ ثَلَاثِينَ رَجُلًا وَهَزَمَ اللَّهُ تَعَالَى الْجَيْشَ وَخَرَّ جَالُوتُ قَتِيلًا فَأَخَذَهُ يَجُرُّهُ حَتَّى أَلْقَاهُ بَيْنَ يَدَيْ طَالُوتَ، فَفَرِحَ الْمُسْلِمُونَ فَرَحًا شَدِيدًا، وَانْصَرَفُوا إِلَى الْمَدِينَةِ سَالِمِينَ غَانِمِينَ وَالنَّاسُ يَذْكُرُونَ دَاوُدَ فَجَاءَ دَاوُدُ طَالُوتَ وَقَالَ انْجُزْ لِي مَا وَعَدْتَنِي، فَقَالَ: أَتُرِيدُ ابْنَةَ الْمَلِكِ بِغَيْرِ صَدَاقٍ؟ فَقَالَ دَاوُدُ: مَا
(١) من قولهم اصفار لونه: غلبته الصفرة، وذلك من المرض والضعف.
(٢) يريد أزرق العينين، وكانت العرب تتشاءم من الزرق.
(٣) قليل الشعر.
(٤) لباس الرأس في الحرب.
(٥) سواد وبياض وارتفاع التحجيل إلى الفخذين.
1 / 304