285

Tafsir Al-Baghawi

معالم التنزيل في تفسير القرآن = تفسير البغوي

Editor

حققه وخرج أحاديثه محمد عبد الله النمر - عثمان جمعة ضميرية - سليمان مسلم الحرش

Penerbit

دار طيبة للنشر والتوزيع

Edisi

الرابعة

Tahun Penerbitan

١٤١٧ هـ - ١٩٩٧ م

مَقَتَهُمُ اللَّهُ عَلَى فِرَارِهِمْ مِنَ الْمَوْتِ فَأَمَاتَهُمْ عُقُوبَةً لَهُمْ ثُمَّ بُعِثُوا لِيَسْتَوْفُوا مُدَّةَ آجَالِهِمْ [وَلَوْ جَاءَتْ آجَالُهُمْ] (١) مَا بُعِثُوا فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿أَلَمْ تَرَ﴾ أَيْ أَلَمْ تَعْلَمْ بِإِعْلَامِي إِيَّاكَ، وَهُوَ مِنْ رُؤْيَةِ الْقَلْبِ.
قَالَ أَهْلُ الْمَعَانِي: هُوَ تَعْجِيبٌ يَقُولُ هَلْ رَأَيْتَ مِثْلَهُمْ؟ كَمَا تَقُولُ: أَلَمْ تَرَ إِلَى مَا يَصْنَعُ فُلَانٌ؟ وَكُلُّ مَا فِي الْقُرْآنِ أَلَمْ تَرَ وَلَمْ يُعَايِنْهُ النَّبِيُّ ﷺ فَهَذَا وَجْهُهُ ﴿إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ﴾ جَمْعُ أَلْفٍ وَقِيلَ مُؤْتَلِفَةٌ قُلُوبُهُمْ جَمْعُ آلِفٍ مِثْلُ قَاعِدٍ وَقَعُودٍ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ الْعَدَدُ ﴿حَذَرَ الْمَوْتِ﴾ أَيْ خَوْفَ الْمَوْتِ ﴿فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا﴾ أَمْرُ تَحْوِيلٍ كَقَوْلِهِ "كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ" (٦٥-الْبَقَرَةِ) ﴿ثُمَّ أَحْيَاهُمْ﴾ بَعْدَ مَوْتِهِمْ ﴿إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ﴾ قِيلَ هُوَ عَلَى الْعُمُومِ فِي حَقِّ الْكَافَّةِ فِي الدُّنْيَا، وَقِيلَ عَلَى الْخُصُوصِ فِي حَقِّ الْمُؤْمِنِينَ ﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ﴾ أَمَّا الْكُفَّارُ فَلَمْ يَشْكُرُوا وَأَمَّا الْمُؤْمِنُونَ فَلَمْ يَبْلُغُوا غَايَةَ الشُّكْرِ.
﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ أَيْ فِي طَاعَةِ اللَّهِ أَعْدَاءَ اللَّهِ ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ قَالَ أَكْثَرُ أَهْلِ التَّفْسِيرِ: هَذَا خِطَابٌ لِلَّذِينِ أُحْيَوْا أُمِرُوا بِالْقِتَالِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَخَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ فِرَارًا مِنَ الْجِهَادِ فَأَمَاتَهُمُ اللَّهُ ثُمَّ أَحْيَاهُمْ وَأَمَرَهُمْ أَنْ يُجَاهِدُوا: وَقِيلَ: الْخِطَابُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ، أَمَرَهُمْ بِالْجِهَادِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا﴾ الْقَرْضُ اسْمٌ لِكُلِّ مَا يُعْطِيهِ الْإِنْسَانُ لِيُجَازَى عَلَيْهِ، فَسَمَّى اللَّهَ تَعَالَى عَمَلَ الْمُؤْمِنِينَ لَهُ عَلَى رَجَاءِ مَا وَعَدَهُمْ مِنَ الثَّوَابِ قَرْضًا، لِأَنَّهُمْ يَعْمَلُونَهُ لِطَلَبِ ثَوَابِهِ، قَالَ الْكِسَائِيُّ: الْقَرْضُ مَا أَسْلَفْتَ مِنْ عَمَلٍ صَالِحٍ أَوْ سَيِّئٍ، وَأَصْلُ الْقَرْضِ فِي اللُّغَةِ الْقَطْعُ، سُمِّيَ بِهِ الْقَرْضُ لِأَنَّهُ يَقْطَعُ مِنْ مَالِهِ شَيْئًا يُعْطِيهِ لِيَرْجِعَ إِلَيْهِ مِثْلُهُ، وَقِيلَ فِي الْآيَةِ اخْتِصَارٌ مَجَازُهُ: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ عِبَادَ اللَّهِ وَالْمُحْتَاجِينَ مِنْ خَلْقِهِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: "إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ" (٥٧-الْأَحْزَابِ) أَيْ يُؤْذُونَ عِبَادَ اللَّهِ، كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ يوم القيامة يا ابن آدَمَ اسْتَطْعَمْتُكَ فَلَمْ تُطْعِمْنِي قَالَ: يَا رَبِّ كَيْفَ أُطْعِمُكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ؟ قَالَ: اسْتَطْعَمَكَ عَبْدِي فُلَانٌ فَلَمْ تُطْعِمْهُ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ أَطْعَمْتَهُ لَوَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي" (٢) .
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿يُقْرِضُ اللَّهَ﴾ أَيْ يُنْفِقُ فِي طَاعَةِ اللَّهِ ﴿قَرْضًا حَسَنًا﴾ قَالَ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الْوَاقِدِيُّ: يَعْنِي مُحْتَسِبًا، طَيِّبَةً بِهَا نَفْسُهُ، وَقَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ: مِنْ مَالٍ حَلَالٍ وَقِيلَ لَا يَمُنُّ بِهِ وَلَا يُؤْذِي ﴿فَيُضَاعِفَهُ لَهُ﴾ قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو جَعْفَرٍ وَابْنُ عَامِرٍ وَيَعْقُوبُ " فَيُضَعِّفَهُ " وَبَابُهُ بِالتَّشْدِيدِ، وَوَافَقَ أَبُو عَمْرٍو فِي سُورَةِ الْأَحْزَابِ وَقَرَأَ الْآخَرُونَ "فَيُضَاعِفَهُ " بِالْأَلْفِ مُخَفَّفًا وَهُمَا لُغَتَانِ، وَدَلِيلُ التَّشْدِيدِ قَوْلُهُ

(١) ساقط من "أ".
(٢) رواه مسلم: في البر - باب: فضل عيادة المريض برقم (٢٥٦٩) ٤ / ١٩٩٠.

1 / 294