256

Tafsir Al-Baghawi

معالم التنزيل في تفسير القرآن = تفسير البغوي

Editor

حققه وخرج أحاديثه محمد عبد الله النمر - عثمان جمعة ضميرية - سليمان مسلم الحرش

Penerbit

دار طيبة للنشر والتوزيع

Edisi

الرابعة

Tahun Penerbitan

١٤١٧ هـ - ١٩٩٧ م

Wilayah-wilayah
Turkmenistan
Empayar
Seljuk
بِالْفَيْءِ أَوْ بِالطَّلَاقِ بَعْدَ مُطَالَبَةِ الْمَرْأَةِ، وَالْفَيْءُ هُوَ الرُّجُوعُ عَمَّا قَالَهُ بِالْوَطْءِ، إِنْ قَدَرَ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ فَبِالْقَوْلِ، فإن لم يفء ولم يُطَلِّقْ طَلَّقَ عَلَيْهِ السُّلْطَانُ وَاحِدَةً، وَذَهَبَ إِلَى الْوُقُوفِ بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ عُمْرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ وَأَبُو الدَّرْدَاءِ وَابْنُ عُمَرَ، قَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ: أَدْرَكْتُ بِضْعَةَ عَشَرَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ كُلُّهُمْ يَقُولُ بِوَقْفِ الْمُولِي. وَإِلَيْهِ ذَهَبَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ وَمُجَاهِدٌ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: إِذَا مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ تَقَعُ عَلَيْهَا طَلْقَةٌ بَائِنَةٌ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَبِهِ قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ.
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَالزُّهْرِيُّ: تَقَعُ طَلْقَةٌ رَجْعِيَّةٌ، وَلَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَطَأَهَا أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ لَا يَكُونُ مُولِيًا، بَلْ هُوَ حَالِفٌ، فَإِذَا وَطِئَهَا قَبْلَ مُضِيِّ تِلْكَ الْمُدَّةِ تَجِبُ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ، وَلَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَطَأَهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ لَا يَكُونُ مُولِيًا عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِالْوَقْفِ بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ، لِأَنَّ بَقَاءَ الْمُدَّةِ شَرْطٌ لِلْوَقْفِ وَثُبُوتِ الْمُطَالَبَةِ بِالْفَيْءِ أَوِ الطَّلَاقِ، وَقَدْ مَضَتِ الْمُدَّةُ. وَعِنْدَ مَنْ لَا يَقُولُ بِالْوَقْفِ يَكُونُ مُولِيًا، وَيَقَعُ الطَّلَاقُ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ.
وَمُدَّةُ الْإِيلَاءِ: أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ فِي حَقِّ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ جَمِيعًا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ ﵀، لِأَنَّهَا ضُرِبَتْ لِمَعْنًى يَرْجِعُ إِلَى الطَّبْعِ، وَهُوَ قِلَّةُ صَبْرِ الْمَرْأَةِ عَنِ الزَّوْجِ، فَيَسْتَوِي فِيهِ الْحُرُّ وَالْعَبْدُ كَمُدَّةِ الْعُنَّةِ.
وَعِنْدَ مَالِكٍ ﵀ وَأَبِي حَنِيفَةَ ﵀ تَتَنَصَّفُ مُدَّةُ الْعُنَّةِ بِالرِّقِّ، غَيْرَ أَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ تَتَنَصَّفُ بِرِقِّ الْمَرْأَةِ، وَعِنْدَ مَالِكٍ بِرِقِّ الزَّوْجِ، كَمَا قَالَا فِي الطَّلَاقِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ﴾ أَيِ انْتِظَارُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، وَالتَّرَبُّصُ: التَّثَبُّتُ وَالتَّوَقُّفُ ﴿فَإِنْ فَاءُوا﴾ رَجَعُوا عَنِ الْيَمِينِ بِالْوَطْءِ ﴿فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ وَإِذَا وَطِئَ خَرَجَ عَنِ الْإِيلَاءِ وَتَجِبُ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَقَالَ الْحَسَنُ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَقَتَادَةُ: لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَعَدَ بِالْمَغْفِرَةِ فَقَالَ ﴿فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ وَذَلِكَ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ فِي إِسْقَاطِ الْعُقُوبَةِ لَا فِي الْكَفَّارَةِ، وَلَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: إِنْ قَرَّبْتُكِ فَعَبْدِي حُرٌّ أَوْ صِرْتِ طَالِقًا، أَوْ لِلَّهِ عَلَيَّ عِتْقُ رَقَبَةٍ أَوْ صَوْمٌ أَوْ صَلَاةٌ فَهُوَ مُولٍ لِأَنَّ الْمُولِيَ مَنْ يَلْزَمُهُ أَمْرٌ بِالْوَطْءِ، وَيُوقَفُ بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ فَإِنْ فَاءَ يَقَعُ الطَّلَاقُ أَوِ الْعِتْقُ الْمُعَلَّقُ بِهِ، وَإِنِ الْتَزَمَ فِي الذِّمَّةِ تَلْزَمُهُ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ فِي قَوْلٍ، وَفِي قَوْلٍ يَلْزَمُهُ مَا الْتُزِمَ فِي ذِمَّتِهِ مِنَ الْإِعْتَاقِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ
﴿وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ﴾ أَيْ حَقَّقُوهُ بِالْإِيقَاعِ ﴿فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ﴾ ﴿عَلِيمٌ﴾ بِنِيَّاتِهِمْ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا لَا تُطَلَّقُ بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ مَا لَمْ يُطَلِّقْهَا زَوْجُهَا، لِأَنَّهُ شَرَطَ فِيهِ الْعَزْمَ، وَقَالَ: ﴿فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ يَقْتَضِي مَسْمُوعًا وَالْقَوْلُ هُوَ الَّذِي يُسْمَعُ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَالْمُطَلَّقَاتُ﴾ أَيِ الْمُخَلَّيَاتُ مِنْ حِبَالِ أَزْوَاجِهِنَّ ﴿يَتَرَبَّصْنَ﴾ يَنْتَظِرْنَ ﴿بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ﴾ فَلَا يَتَزَوَّجْنَ، وَالْقُرُوءُ: جَمْعُ قَرْءٍ، مِثْلُ فَرْعٍ، وَجَمْعُهُ الْقَلِيلُ أَقْرُؤٌ وَالْجَمْعُ الْكَثِيرُ أَقْرَاءٌ، وَاخْتَلَفَ أَهْلُ

1 / 265