Tafsir Al-Baghawi
معالم التنزيل في تفسير القرآن = تفسير البغوي
Editor
حققه وخرج أحاديثه محمد عبد الله النمر - عثمان جمعة ضميرية - سليمان مسلم الحرش
Penerbit
دار طيبة للنشر والتوزيع
Edisi
الرابعة
Tahun Penerbitan
١٤١٧ هـ - ١٩٩٧ م
Wilayah-wilayah
•Turkmenistan
Empayar
Seljuk
الْمُؤْمِنِينَ
﴿فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (١٨١)﴾
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿فَمَنْ بَدَّلَهُ﴾ أَيْ غَيَّرَ الْوَصِيَّةَ فِي الْأَوْصِيَاءِ أَوِ الْأَوْلِيَاءِ أَوِ الشُّهُودِ ﴿بَعْدَمَا سَمِعَهُ﴾ أي بعد ما سَمِعَ قَوْلَ الْمُوصِي، وَلِذَلِكَ ذَكَرَ الْكِنَايَةَ مَعَ كَوْنِ الْوَصِيَّةِ مُؤَنَّثَةً، وَقِيلَ الْكِنَايَةُ رَاجِعَةٌ إِلَى الْإِيصَاءِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: "فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ" (٢٧٥-الْبَقَرَةِ) رَدَّ الْكِنَايَةَ إِلَى الْوَعْظِ ﴿فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ﴾ وَالْمَيِّتُ بَرِيءٌ مِنْهُ ﴿إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ﴾ لِمَا أَوْصَى بِهِ الْمُوصِي ﴿عَلِيمٌ﴾ بِتَبْدِيلِ الْمُبَدِّلِ، أَوْ سَمِيعٌ لِوَصِيَّتِهِ عَلِيمٌ بِنِيَّتِهِ.
﴿فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٨٢) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (١٨٣)﴾
قَوْلُهُ تَعَالَى ﴿فَمَنْ خَافَ﴾ أَيْ عَلِمَ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: "فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ" (٢٢٩-الْبَقَرَةِ) أَيْ عَلِمْتُمْ ﴿مِنْ مُوصٍ﴾ قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ وَيَعْقُوبُ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَتَشْدِيدِ الصَّادِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: "مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا" (١٣-الشُّورَى) "وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ" (٨-الْعَنْكَبُوتِ) وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِسُكُونِ الْوَاوِ وَتَخْفِيفِ الصَّادِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: "يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ" (١١-النِّسَاءِ) "مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ" (١٢-النِّسَاءِ) ﴿جَنَفًا﴾ أَيْ جَوْرًا وَعُدُولًا عَنِ الْحَقِّ، وَالْجَنَفُ: الْمَيْلُ ﴿أَوْ إِثْمًا﴾ أَيْ ظُلْمًا، قَالَ السُّدِّيُّ وَعِكْرِمَةُ وَالرَّبِيعُ: الْجَنَفُ الْخَطَأُ وَالْإِثْمُ الْعَمْدُ ﴿فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ﴾ وَاخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى الْآيَةِ، قَالَ مُجَاهِدٌ: مَعْنَاهَا أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا حَضَرَ مَرِيضًا وَهُوَ يُوصِي فَرَآهُ يَمِيلُ إِمَّا بِتَقْصِيرٍ أَوْ إِسْرَافٍ، أَوْ وَضْعِ الْوَصِيَّةِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا فَلَا حَرَجَ عَلَى مَنْ حَضَرَهُ أَنْ يَأْمُرَهُ بِالْعَدْلِ وَيَنْهَاهُ عَنِ الْجَنَفِ فَيَنْظُرُ لِلْمُوصَى وَلِلْوَرَثَةِ، وَقَالَ آخَرُونَ: إِنَّهُ أَرَادَ بِهِ أَنَّهُ إِذَا أَخْطَأَ الْمَيِّتُ فِي وَصِيَّتِهِ أَوْ جَارَ مُتَعَمِّدًا فَلَا حَرَجَ عَلَى وَلِيِّهِ أَوْ وَصِيِّهِ أَوْ وَالِي أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يُصْلِحَ بَعْدَ مَوْتِهِ بَيْنَ وَرَثَتِهِ وَبَيْنَ الْمُوصَى لَهُمْ، وَيَرُدَّ الْوَصِيَّةَ إِلَى الْعَدْلِ وَالْحَقِّ، فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ أَيْ: فَلَا حَرَجَ عَلَيْهِ ﴿إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ وقال طاووس: جَنَفَةٌ تَوْلِيجَةٌ، وَهُوَ أَنْ يُوصِيَ لِبَنِي بَنِيهِ يُرِيدُ ابْنَهُ وَلِوَلَدِ ابْنَتِهِ وَلِزَوْجِ ابْنَتِهِ يُرِيدُ بِذَلِكَ ابْنَتَهُ.
قَالَ الْكَلْبِيُّ: كَانَ الْأَوْلِيَاءُ وَالْأَوْصِيَاءُ يُمْضُونَ وَصِيَّةَ الْمَيِّتِ بَعْدَ نُزُولِ قَوْلِهِ تَعَالَى "فمن بدله بعد ما سَمِعَهُ" الْآيَةَ وَإِنِ اسْتَغْرَقَ الْمَالَ كُلَّهُ وَلَمْ يَبْقَ لِلْوَرَثَةِ شَيْءٌ، ثُمَّ نَسَخَهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: "فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا" الْآيَةَ، قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: فَعَجَزَ الْمُوصِي أَنْ يُوصِيَ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى، وَعَجَزَ الْمُوصِي أَنْ يُصْلِحَ فَانْتَزَعَ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ مِنْهُمْ فَفَرَضَ الْفَرَائِضَ.
رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قَالَ: "إِنَّ الرَّجُلَ لِيَعْمَلُ أَوِ الْمَرْأَةُ بِطَاعَةِ اللَّهِ سِتِّينَ سَنَةً، ثُمَّ
1 / 194