141

Tafsir Al-Baghawi

معالم التنزيل في تفسير القرآن = تفسير البغوي

Penyiasat

حققه وخرج أحاديثه محمد عبد الله النمر - عثمان جمعة ضميرية - سليمان مسلم الحرش

Penerbit

دار طيبة للنشر والتوزيع

Nombor Edisi

الرابعة

Tahun Penerbitan

١٤١٧ هـ - ١٩٩٧ م

أَبْيَضَ فَاسْوَدَّ مِنْ لَمْسِ الْحُيَّضِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَتَوَجَّهَ آدَمُ مِنْ أَرْضِ الْهِنْدِ إِلَى مَكَّةَ مَاشِيًا وَقَيَّضَ اللَّهُ لَهُ مَلَكًا يَدُلُّهُ عَلَى الْبَيْتِ فَحَجَّ الْبَيْتَ وَأَقَامَ الْمَنَاسِكَ، فَلَمَّا فَرَغَ تَلَقَّتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَقَالُوا: بَرَّ حَجُّكَ يَا آدَمُ لَقَدْ حَجَجْنَا هَذَا الْبَيْتَ قَبْلَكَ بِأَلْفَيْ عَامٍ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ﵄: حَجَّ آدَمُ أَرْبَعِينَ حَجَّةً مِنَ الْهِنْدِ إِلَى مَكَّةَ عَلَى رِجْلَيْهِ فَكَانَ عَلَى ذَلِكَ إِلَى أَيَّامِ الطُّوفَانِ، فَرَفَعَهُ اللَّهُ تَعَالَى إِلَى السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ يَدْخُلُهُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ لَا يَعُودُونَ إِلَيْهِ، وَبَعَثَ جِبْرِيلَ ﵇ حَتَّى خَبَّأَ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ فِي جَبَلِ أَبِي قُبَيْسٍ صِيَانَةً لَهُ مِنَ الْغَرَقِ، فَكَانَ مَوْضِعُ الْبَيْتِ خَالِيًا إِلَى زَمَنِ إِبْرَاهِيمَ، ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ إِبْرَاهِيمَ بَعْدَمَا وُلِدَ لَهُ إِسْمَاعِيلُ وَإِسْحَاقُ بِبِنَاءِ بَيْتٍ يُذْكَرُ فِيهِ، فَسَأَلَ اللَّهَ ﷿ أَنْ يُبَيِّنَ لَهُ مَوْضِعَهُ، فَبَعَثَ اللَّهُ السِّكِّينَةَ لِتَدُلَّهُ عَلَى مَوْضِعِ الْبَيْتِ وَهِيَ رِيحٌ خَجُوجٌ لَهَا رَأْسَانِ شِبْهَ الْحَيَّةِ فَأُمِرَ إِبْرَاهِيمُ أَنْ يَبْنِيَ حَيْثُ تَسْتَقِرُّ السِّكِّينَةُ فَتَبِعَهَا إِبْرَاهِيمُ حَتَّى أَتَيَا مَكَّةَ فَتَطَوَّتِ السِّكِّينَةُ عَلَى مَوْضِعِ الْبَيْتِ كَتَطَوِّي الْحَجَفَةِ هَذَا قَوْلُ عَلِيٍّ وَالْحَسَنِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: بَعَثَ اللَّهُ تَعَالَى سَحَابَةً عَلَى قَدْرِ الْكَعْبَةِ فَجَعَلَتْ تَسِيرُ وَإِبْرَاهِيمُ يَمْشِي فِي ظِلِّهَا إِلَى أَنْ وَافَقَ مَكَّةَ وَوَقَفَتْ عَلَى مَوْضِعِ الْبَيْتِ فَنُودِيَ مِنْهَا إِبْرَاهِيمُ أَنِ ابْنِ عَلَى ظِلِّهَا لَا تَزِدْ وَلَا تَنْقُصْ، وَقِيلَ: أَرْسَلَ اللَّهُ جِبْرِيلَ لِيَدُلَّهُ عَلَى مَوْضِعِ الْبَيْتِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ﴾ فَبَنَى إِبْرَاهِيمُ وَإِسْمَاعِيلُ الْبَيْتَ فَكَانَ إِبْرَاهِيمُ يَبْنِيهِ وَإِسْمَاعِيلُ يُنَاوِلُهُ الْحَجَرَ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ﴾ يَعْنِي أُسُسَهُ وَاحِدَتُهَا قَاعِدَةٌ. وَقَالَ الْكِسَائِيُّ: جُدُرُ الْبَيْتِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّمَا بُنِيَ الْبَيْتُ مِنْ خمسة أجبل، طورسيناء وطور زَيْتَا وَلُبْنَانَ وَهُوَ جَبَلٌ بِالشَّامِ، وَالْجُودِيِّ وَهُوَ جَبَلٌ بِالْجَزِيرَةِ وَبَنَيَا قَوَاعِدَهُ مِنْ حِرَاءَ وَهُوَ جَبَلٌ بِمَكَّةَ فَلَمَّا انْتَهَى إِبْرَاهِيمُ إِلَى مَوْضِعِ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ قَالَ لِإِسْمَاعِيلَ ائْتِنِي بِحَجَرٍ حَسَنٍ يَكُونُ لِلنَّاسِ عَلَمًا فَأَتَاهُ بِحَجَرٍ فَقَالَ: ائْتِنِي بِأَحْسَنَ مِنْ هَذَا فَمَضَى إِسْمَاعِيلُ يَطْلُبُهُ فَصَاحَ أَبُو قُبَيْسٍ يَا إِبْرَاهِيمُ إِنَّ لَكَ عِنْدِي وَدِيعَةً فَخُذْهَا فَأَخَذَ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ فَوَضَعَهُ مَكَانَهُ وَقِيلَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى بَنَى فِي السَّمَاءِ بَيْتًا وَهُوَ الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ وَيُسَمَّى الضُّرَاحَ وَأَمَرَ الْمَلَائِكَةَ أَنْ يَبْنُوا الْكَعْبَةَ فِي الْأَرْضِ بِحِيَالِهِ عَلَى قَدْرِهِ وَمِثَالِهِ، وَقِيلَ أَوَّلُ مَنْ بَنَى الْكَعْبَةَ آدَمُ وَانْدَرَسَ زَمَنَ الطُّوفَانِ ثُمَّ أَظْهَرَهُ اللَّهُ لِإِبْرَاهِيمَ حَتَّى بَنَاهُ (١) . قَوْلُهُ: ﴿رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا﴾ فِيهِ إِضْمَارٌ أَيْ وَيَقُولَانِ: رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا بِنَاءَنَا ﴿إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ﴾ لِدُعَائِنَا ﴿الْعَلِيمُ﴾ بِنِيَّاتِنَا ﴿رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (١٢٨)﴾ ﴿رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ﴾ مُوَحِّدَيْنِ مُطِيعَيْنِ مُخْلِصَيْنِ خَاضِعَيْنِ لَكَ.

(١) قال ابن كثير ﵀: ولم يجئ في خبر صحيح عن معصوم: أن البيت كان مبنيا قبل الخليل ﵇، ومن تمسك في هذا بقوله تعالى: "مكان البيت" فليس بناهض ولا ظاهر، لأن مراده: مكانه المقدر في علم الله تعالى، المقرر في قدرته، المعظم عند الأنبياء موضعه من لدن آدم إلى زمان إبراهيم ﵇" انظر: البداية والنهاية: ١ / ١٦٣، ١٦٥.

1 / 150