190

Tafsir

تفسير القرآن العظيم المنسوب للإمام الطبراني

Genre-genre

Tafsiran

[207]

قوله عز وجل : { ومن الناس من يشري نفسه ابتغآء مرضات الله } ؛ قال ابن عباس : (نزلت هذه الآية في صهيب بن سنان وعمار بن ياسر وأمه سمية وأبيه ياسر وبلال وخباب بن الأرت وغيرهم ، أخذهم المشركون في طريق مكة ؛ فعذبوهم ، فأما صهيب فقال لهم : أنا شيخ كبير لا يضركم أمنكم كنت أم من عدوكم ، أعطيكم جميع مالي ومتاعي وذروني وديني نشتريه منكم بمالي ، ففعلوا ؛ فأعطاهم ماله وتوجه إلى المدينة. فلما دخل المدينة لقيه أبو بكر فقال : ربح البيع يا صهيب ، قال : وبيعك لا يخسر ، وما ذاك يا أبا بكر! فأخبره بما نزل فيه ؛ وهو قوله : { ومن الناس من يشري نفسه ابتغآء مرضات الله }.

وأما سمية وياسر فقتلا ، وكانا أول قتيلين قتلا من المسلمين. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهما بمكة : " اصبروا يا آل ياسر ، فإن موعدكم الجنة " وأما الآخرون ؛ فإنهم أعطوا على العذاب بعض ما أراد المشركون من كلمة الكفر وسب الإسلام ؛ وكانت قلوبهم مطمئنة بالإيمان ، فتركوا وقدموا المدينة ، وفيهم نزل قوله تعالى : { من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان }[النحل : 106].

ومعنى قوله : { ومن الناس من يشري نفسه } على هذا التأويل الذي ذكرناه : ومن الناس من يشري نفسه ودينه بماله. وعن عمر وعلي رضي الله عنهما : أنهما قالا في هذه الآية : (هو الرجل يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر فيقتل عليه) فعلى هذا معنى قوله تعالى : { يشري نفسه } أي يبيع نفسه يبذلها في الجهاد في سبيل الله. وهذا من أسماء الأضداد ، قال الشاعر في شريت بمعنى بعت : وشريت بردا ليتني من بعد برد كنت هامهأي هلكت. وقوله تعالى : { ابتغآء مرضات الله } نصب على أنه مفعول له ؛ كأنه قال : لابتغاء مرضاة الله. وقوله تعالى : { والله رؤوف بالعباد } ؛ أي رحيم بهم يرغبهم في الخير ، ويثيبهم عليه رأفة بهم. ويقال إنه لرأفته ورحمته أمرهم ببيع أنفسهم لكي ينالوا من كريم ثوابه ما هو خير لهم.

Halaman 190