Tafsir
تفسير القرآن العظيم المنسوب للإمام الطبراني
Genre-genre
[205]
قوله تعالى : { وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد } ؛ أي إذا أعرض عنك الأخنس يا محمد وفارقك أسرع مشيا في الأرض ليعصي فيها ويضر المؤمنين ، وليهلك ما قدر عليه من زرع ونسل ، { والله لا يحب الفساد } أي لا يرضى المعاصي.
روي : أن الأخنس خرج من عند النبي صلى الله عليه وسلم فمر بزرع فأحرقه ؛ وبحمار فعقره ؛ فنزلت هذه الآية بما فيها من الوعيد ، فحسبه جهنم ، وصارت عامة في جميع المفسدين. وقيل : معنى الآية : { ليفسد فيها } أي ليوقع الفتنة بين الناس فيشتغلوا عن الزراعة وعن أعمالهم ، فيكون في ذلك هلاك الحرث والنسل. وقيل : يخيف الناس حتى يهربوا من شره ، فيخرب الضياع وينقطع نسل الناس والدواب.
وفي هذه الآية تحذير من الاغترار بظاهر القول وما يبديه الرجل من حلاوة المنطق ، وأمر بالاحتياط في أمر الدين والدنيا حتى لا يقتصر على ظاهر أمر الإنسان خصوصا فيمن هو ألد الخصام ؛ ومن ظهرت منه دلائل الريبة. ولهذا قالوا : إن علينا استبراء حال من نراه في الظاهر أهلا للقضاء والشهادة والفتيا والأمانة ، وأن لا يقبل منهم ظاهرهم حتى يسأل عنهم ويبحث عن أمرهم ، إذ قد حذر الله تعالى أمثالهم في توليتهم على أمور المسلمين ؛ ألا ترى أنه عقبه بقوله : { وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها } فيحتمل أن يكون المراد بالتولي : أن يتولى أمرا من أمور المسلمين ؛ فأعلم الله بهذه الآية أنه لا يجوز الاقتصار على الظاهر دون الاحتياط والاستبراء.
Halaman 188