فلما كان يعانيه الموالي الفرس من عسف الأمويين وجورهم، بالإضافة إلى اعتقادهم في نظرية الحق الملكي المقدس التي سادت الفكر الفارسي منذ أمد بعيد.
يقول الإمام مُحَمَّد بن علي العباسي مصورًا طبيعة الأمصار الإسلامية ونوع الأهواء والأفكار السائدة بها آنذاك: " أما الكوفة فشيعة علي، وأما البصرة فعثمانية تدين بالكف، وأما الجزيرة فحرورية، وأعراب لأعلاج، ومسلمون في أخلاق النصارى، وأما أهل الشام فلا يعرفون غير معاوية وطاعة بني أمية، وأما مكة والمدينة فقد غلب عليهم أبو بكر وعمر، ولكن عليكم بخراسان فإن هناك العدد الكثير والجلد الظاهر، وهناك صدور سليمة وقلوب فارغة لم تتقسمها الأهواء، ولم تتوزعها النحل، ولم يقدح فيها فساد، وهم جند لهم أبدان وأجسام ومناكب وكواهل وهامات ولحى وشوارب وأصوات هائلة ولغات فخمة تخرج من أجسام منكرة، وبعد فإني أتفاءل إلى المشرق وإلى مطلع سراج الدنيا ومصباح الخلق.
ولم يكد القرن الهجري الأول ينتهي حتى انطلقت الدعوة السرية للبيت العباسي من الحميمة وأخذ مُحَمَّد بن علي العباسي يوجه الدعاة في الآفاق فكان للعراق دعاة على التوالي هم: ميسرة العبدي (١٠٢) - (١٠٥ هـ)، وبكير بن ماهان (١٠٥) - (١٢٧ هـ) ثم أبو سلمة الخلال (١٢٧ - ١٣٢ هـ). كما وجه الدعاة إلى خراسَان وكان أولهم أبو عكرمة السراج.
" ويلي طبقة الدعاة في المرتبة طائفة النقباء الذين يأتمرون بأمرهم، ويجهلون إمام الوقت، وكان لكل داعية اثنا عشر نقيبًا، ولكل نقيب سبعون عاملا يديرون الوحدات المتفرعة، ويشرفون على الخلايا السرية المنبثة في مختلف الأقاليم، وكان الدعاة والنقباء يتميزون بإخلاصهم الشديد للدعوة وتفانيهم في خدمتها، كما كانوا يتصفون ببعد النظر والقدرة على فهم تقسيمات الناس، وتمييز عناصرهم؛ تمهيدًا لاجتذابهم إلى دعوتهم، وبالبراعة في التخفي والتنكر، مع حظ كبير من الثقافة والعلوم الدِّينية واللغوية ".
نجاح الدعوة في العراق:
لعب بكير بن ماهان الذي ولي أمر الدعوة العباسية في العراق دورًا كبيرًا في تاريخ الدعوة العباسية على مدار اثنين وعشرين عامًا، وإليه يرجع الفضل في تنظيم الدعوة في
1 / 12