Tafkir Farida Islamiyya
التفكير فريضة إسلامية
Genre-genre
وما من أحد يهتدي بعقله لا يسعه أن يرى الصواب، وأن يكف عن الخطأ؛ فإذا قسر على نبذ الصواب واقتراف الخطأ، ففي وسعه أن ينجو بنفسه من القسر حيث كان، وفي وسعه إذا حيل بينه وبين النجاة أن يلقى الضرر الذي يجنيه عليه من يهدر كرامته، ويقتل ضميره؛ فذلك - لا ريب - أهون الضررين في هذه الحال، ولا معنى للدين ولا للخلق إذا جاز للناس أن يخشوا ضررا يصيب أجسامهم، ولا يخشوا ضررا يصيبهم في أرواحهم وضمائرهم، وينزل بحياتهم الباقية إلى ما دون الحياة التي ليس لها بقاء، وليس فيها شرف ولا مروءة. •••
وهذه الموانع كلها - موانع العرف والقدرة العمياء والخوف الذليل - إنما تقوم وتبقى قائمة ما هان على الإنسان أن يعيش بغير عقل يرجع إليه في أكرم مطالبه «الإنسانية»، وهو صلاح ضميره، ولكنها تزول على الأثر يوم يرجع إلى عقله أمام كل عقبة من عقباتها، وقد يشق عليه أن يذلل تلك العقبات أو يناجزها، ولكنه حق العقل عليه، ولا بد من حق تهون من أجله المشقة؛ لأنها أهون من سلب الإنسان فضيلته العليا، وارتكانه إلى حياة لا تعقل، أو حياة تعقل ولكنها تؤثر الحطة على علمها بما هو أرفع منها ...
إن حق العقل في الإسلام يقاس بكل قوة من قوى تلك الموانع التي ترصد له، وتصده عن طريقه، وأولها وأقواها في صدر الإسلام قوة العرف أو عبادة السلف؛ لأن العرف في الجاهلية بلغ مبلغ العبادة في المهابة والرعاية، وتسخير النفوس لحكمه بما يفرضه عليها من العادات، وما هي في الواقع إلا ضرب من العبادات يملك الإنسان في جميع أوقاته وعلاقاته؛ حيث تتراخى عنه أحيانا سطوة العبادات الدينية، ولعل العبادات لم يكن لها من سطوة في عصور الجاهلية وما شابهها إلا لأنها تستمد تلك السطوة من العادات ...
كانت الدعوة الإسلامية تثير أهل الجاهلية، وتحنقهم أشد الحنق على الرسول القائم بها صلوات الله عليه. وأشد ما كان يحنقهم من دعواته أنه يسفه بها أحلام الآباء والأجداد، فقلما كانوا يقولون في مقام الغضب منه والتحريض عليه: إنه يسفه أحلامنا، ويستخف بعقولنا، وإنما كان غضبهم كله منه، وتحريضهم كله عليه إذ يقولون عنه: إنه يسفه أحلام آبائنا، ويستخف بعقول أسلافنا، ويقول عن أصول النسب التي يفخرون بها: إنها كانت على ضلالة، وكانت لا تعقل ما تصنع من أمور الدين ...
والإسلام حين يأبى على الإنسان أن يعنو
1
بعقله كله لهذه السطوة الجائحة إنما يعطي العقل حقه في مقاومتها، ولا يكتفي بأن يفرض عليه واجب المقاومة، وإنما يمده بالحجة التي تعينه عليها؛ حيث لا حجة له بين يديها، فهو يكلفه ويعينه وهو يثيره، ويضع في يده السلاح الذي يشحذه في ثورته، فهو نصير معين يلقي العبء، ويعطي المدد الذي يعينه عليه ...
وحين يقول الإسلام للإنسان: يجب عليك أن تفتح عينك ولا تنقاد لما يوبقك مغمض العينين، فكأنه يقول له: يحق لك أن تنظر في شأنك؛ بل في أكبر شأن من شئون حياتك ، ولا يحق لآبائك أن يجعلوك ضحية مستسلمة للجهالة التي درجوا عليها.
وإن الإسلام ليأبى على المرء أن يحيل أعذاره على آبائه وأجداده، كما يأبى له أن تحال عليه الذنوب والخطايا من أولئك الآباء والأجداد، وإنه لينعي على الذين يستمعون الخطاب أن يعفوا أنفسهم من مؤنة العقل؛ لأنهم ورثوا من آبائهم وأجدادهم عقيدة لا عقل فيها ...
وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون [سورة البقرة: 170].
Halaman tidak diketahui