Pemikiran Saintifik dan Realiti Semasa yang Terkini
التفكير العلمي ومستجدات الواقع المعاصر
Genre-genre
وفي الوقت الذي يدافع فيه هيزنبرج عن فكر وتوجه مدرسة كوبنهاجن، نجده يقدم عرضا لمفهوم السببية في ضوء ميكانيكا الكوانتم؛ حيث نراه يقول عن مبدأ السببية: «لقد درج الناس على القول، خلال السنين الأخيرة، إن العلم الذري قد أبطل مبدأ السببية أو على الأقل، أفقده قسطا من سلطته، وذلك إلى درجة أنه لم يعد من الممكن الحديث عن ضبط عمليات الطبيعة، بالمعنى الدقيق لكلمة ضبط، بواسطة قوانين. وأحيانا يقال فقط إن مبدأ السببية لا يسري مفعوله إلى علم الذرة الحديث.»
48
ويستطرد هيزنبرج فيقول: «لقد عمل العلم الذري منذ بداية نشأته على صياغة وتطور مفاهيم لا تتفق، والحق يقال، مع هذه الصورة التي رسمناها عن مبدأ السببية، ولكن هذا لا يعني أن هذه المفاهيم الجديدة تناقض الأسس التي قامت عليها تلك الصورة؛ فكل ما في الأمر هو أن طريقة التفكير الخاصة بالعلم الذي كان شائعا، لا بد أن تتميز منذ البداية، عن أسلوب التفكير الذي تقوم عليه الحتمية. لقد سبق لعلم الذرة القديم أن بنى تفسيره للكون على أساس فكرة الترابط الإحصائي بين العديد من العمليات الصغيرة المعزولة، فعمم هذه الفكرة وقدم لنا صورة عن العالم، قوامها أن جميع الكيفيات الحسية التي للمادة، يرجع السبب فيها بكيفية غير مباشرة، إلى وضعية الذرات وحركتها، يقول ديموقريطس: «لا يكون الشيء حلوا أو مرا إلا في الظاهر. أما في الواقع فلا وجود لشيء آخر غير الذرات والخلاء.» فإذا فسرنا هكذا الظواهر الحسية بواسطة تضافر العديد من العمليات الصغيرة المعزولة نتج من ذلك ضرورة، أننا نعتبر قوانين الطبيعة إحصائية لا غير. والحق أن هناك قوانين إحصائية.»
49
ثم يشرح هيزنبرج الطابع الإحصائي لنظرية الكوانتا قائلا: «على الرغم من أن المعرفة الناقصة بمنظومة ما كانت، منذ الاكتشافات التي توصل إليها كل من «جيبس» و«بولتزمان»، مندرجة في الصياغة الرياضية للقوانين الفيزيائية، فإنه لم يقع التخلي عن مبدأ الحتمية إلا بعد ظهور نظرية الكوانتا على يد بلانك. لم يجد بلانك في البداية سوى عنصر واحد يدل على الطابع المنفصل لظواهر الإشعاع التي كان يدرسها. لقد أثبت أن الذرة المشعة لا تصدر الطاقة بكيفية منفصلة على شكل صدمات. إن هذا الانفصال في إصدار الطاقة الذي يشبه تتابع الصدمات، قد أدى، مثله في ذلك مثل جميع المفاهيم المتعلقة بنظرية الذرات، إلى القول بالطابع الإحصائي لظاهرة الإشعاع. ومع ذلك كان لا بد من مرور خمس وعشرين سنة على اكتشاف الكوانتا حتى يصبح في الإمكان إثبات أن نظرية كوانتا، تحتم في الواقع إعطاء الصبغة الإحصائية للقوانين الفيزيائية، والتخلي عن مبدأ الحتمية؛ فمنذ أن ظهرت أبحاث أينشتين وبور وسومرفيلد بدا واضحا أن نظرية الكوانتا هي المفتاح الذي يفتح باب الفيزياء الذرية على مصراعيه. وكان النموذج الذري الذي قال به روتر فورد وبور خير مساعد على تفسير العمليات والتفاعلات الكيماوية مما سمح منذ ذلك الوقت بدمج الفيزياء والكيمياء والفيزياء الفلكية في واحد منصهر، وحتم التخلي عن مبدأ الحتمية المحض عن صياغة القوانين الرياضية للظواهر الطبيعية حسب نظرية الكوانتا.»
50
ومن هذا المنطلق شرع هيزنبرج في عقد مقارنة مذهب كانط والفيزياء الحديثة، حيث يقول: «... من اللحظة الأولى سيبدو مفهومه المحوري عن الأحكام التركيبية القبلية، وقد محقته اكتشافات هذا القرن (يقصد القرن العشرين). غيرت نظرية النسبية رؤيتنا للمكان والزمان، بل لقد كشفت في الحقيقة ملامح جديدة للزمان والمكان، ليس بينها ما نراه في صور كانط القبلية للحدس الخالص. لم يعد قانون العلية يطبق في نظرية الكم ولم يعد قانون حفظ المادة صحيحا بالنسبة للجسيمات الأولية. الواضح أن كانط لم يكن له ليتنبأ بالاكتشافات الحديثة. لكن لما كنت مقتنعا بأن مفهوماته ستكون الأساس لأي ميتافيزيقيا مستقبلية يمكن أن تسمى علما، فمن المشوق أن ترى أين كانت حججه خاطئة.»
51
ولم يكتف هيزنبرج بذلك، بل نراه يؤكد قائلا: «دعنا نأخذ قانون العلية كمثال. يقول كانط إنه حينما نلاحظ واقعة فإننا نفترض أن ثمة واقعة سبقتها لا بد للأخرى أن تنتج عنها حسب قاعدة ما. وهذا كما يقرر كانط أساس كل العمل العلمي. أما إمكانية أن نجد دائما هذه الواقعة السابقة من عدمه فهو أمر لا يهم بالنسبة لهذه المناقشة. والواقع أننا نستطيع أن نجدها في الكثير من الحالات. لكن حتى لو لم نستطع، فليس ثمة ما يمنعنا من أن نسأل عما قد تكونه، وأن نبحث عنها. وعلى هذا فقد تم تطويع قانون العلية إلى منهج البحث العلمي. إنه الشرط الذي يجعل العلم ممكنا، ولما كنا نطبق هذا المنهج بالفعل فإن قانون العلية قبلي ولا يشتق من الخبرة. فهل هذا صحيح في الفيزياء الذرية؟ فلنأخذ ذرة راديوم يمكنها أن تطلق جسيم ألفا، لا يمكن أن يتنبأ بالوقت الذي سيطلق في المتوسط في نحو ألفي عام. وعلى هذا فعندما نلاحظ الانطلاق فلن نبحث عن مثل هذه الواقعة، ولا يلزم أن تثبطنا حقيقة أن أحدا لم يلحظ حتى الآن مثل هذه الواقعة. لكن لماذا تغير المنهج العلمي بالفعل في هذه القضية الجوهرية بالذات منذ كانط.»
52
Halaman tidak diketahui