هذه وغيرها مما لا يسعني استيفاؤه تحتاج إلى ألوف من الكلمات للتعبير عنها والدلالة عليها. وإذ لا يجد المشتغلون بها كلمات عربية صحيحة تفي بأغراضهم من هذا القبيل، يعمدون إلى سد حاجتهم كيفما اتفق لهم إما باستعمال الكلمات العامية التي يسمعونها نقلا عن غيرهم، وإما بتعريب الكلمات الأفرنجية الموضوعة لتلك الأشياء، أو بخليط من هذه وتلك كما تقدم الكلام.
وعلى هذا المنوال تشتد سواعد اللهجات العامية، وترسخ أقدامها، وتزداد دوائر استعمالها امتدادا واتساعا، ويظل استعمال اللغة الفصحى محدودا محصورا قلما يجاوز ما وضعت له من قديم الزمان، مع أنه لا ينقصها شيء مما في اللغات الأخرى من خواص الحياة والنمو والمرونة، وهي مضرب المثل في غناها بالمترادفات والقيود والضوابط والفروق والحدود والتعريفات، وفيها ما لا يحصى من الكلمات التي يصلح استخدامها في هذه الأيام للتعبير عما يجد من المعاني. وحسبها أنها ممتازة بالاشتقاق الذي يزيدها حسنا وجمالا ويسهل على علمائها أن يضعوا ما شاؤوا من الألفاظ للدلالة على مستحدثات العلوم والفنون إذا لم يجدوا لها كلمات موضوعة من قبل.
إنما الحاجة إلى واحد
ولقد سبقت فكتبت غير مرة في هذا الموضوع الخطير الشأن، وبحثت كما بحث سواي في أسباب قصور اللغة في الوقت الحاضر عن الوفاء بحاجاتنا. وعلى رغم مخالفة كثيرين لي لا أزال أرى أن خير وسيلة لتدارك القصور إنشاء مجمع لغوي يتألف من صفوة علماء اللغة في مصر وسورية والعراق، وغيرها من الأصقاع العربية، على وجه تراعى فيه الجدارة الصحيحة والأهلية الحقيقية، بحيث يكون كل عضو متضلعا من معرفة اللغة وله إلمام كاف بمبادئ أحد العلوم العصرية؛ ليتمكن من وضع الكلمات والتعاريف المختصة بذلك العلم، ويسمى هذا المجمع «مجمع ترقية اللغة العربية». وأول شيء يجب أن يعنوا به هو البحث المدقق في أسباب قصور اللغة، والتعجيل في إزالتها، ثم النظر في ما يعرضه عليهم المؤلفون والمترجمون والشعراء وكتاب الصحف والمجلات، من الكلمات والتعابير العامية والأجنبية، فيبحثون فيها ويستبدلون بها ما يفي بالمراد من الصحيح الفصيح استخراجا أو وضعا: أي إما بأخذه مما سبقهم المتقدمون إلى وضعه واستعماله في المعاني نفسها أو في ما يدانيها، وإما بمجاراة المتقدمين في وضع ألفاظ تدل على المعاني المبتغاة، وذلك بالاشتقاق - بالاستعمال الحقيقي أو المجازي - وهو أوسع الطرق وأعمها،
9
أو بالنحت، أو التركيب، أو التعريب، وهذا الأخير أندر الطرق وأقلها استعمالا. وكان المتقدمون لا يلجأون إليه إلا إذا أعياهم الوضع على أحد الطرق الأخرى.
10
ثم ينشر المجمع ما يستخرجه أو يضعه في مجلة أسبوعية تنشأ لهذه الغاية، وتنشر في جميع الأقطار العربية؛ ليطالعها الذين يهمهم الأمر ويعتمدوا موضوعاتها عند الحاجة إلى استعمالها.
ومما يجب على المجمع أن يوجه التفاته إليه هو الكلمات الكثيرة المستعملة الآن في غير ما وضعت له، وليس في كتب اللغة ما يجوز استعمالها هذا إلا على ضعف وتكلف. ولكنها شاعت وذاعت حتى بين بلغاء الكتاب، وليس من السهل أن يستبدل بها كلمات أخرى. فمنها هذه الأسماء: «صادرات، وواردات» و«تهوية» للبيوت وما فيها من الأثاث، و«تحليل» بمعناه العلمي والطبي، و«تشريح» بمعناه الطبي، و«تشريع» و«تقنين» و«مشروع» و«إعدام» و«محطة» و«تقرير» و«عمود» لجزء من المكتوب أو المطبوع على صفحة الصحيفة أو الكتاب، والأفعال: «تفرج» و«تطور» و«اكتشف» وغيرها. يضاف إليها جانب كبير من الكلمات المعربة عن اللغات الأجنبية. فهذه كلها يجب أن تعرض للبحث، فإما أن يتفق على استعمالها لغلبته وشيوعه، وإما أن يستبدل بها غيرها وفيه من الصعوبة ما فيه.
من لهذا الأمر؟
Halaman tidak diketahui