ألا حي لبنى اليوم إن كنت غاديًا ... وألممْ بها إلمامَ أنْ لا تلاقيا
تمر الليالي والشهورُ ولا أرى ... ولوعي بها يزداد إلا تماديا
أيا رب فاجمع بين روحي وروحها ... بحولك قد أعيا عليَّ احتياليا
أراني إذا حليتُ أقبلتُ نحوها ... بوجهي وإنْ كان المصلى ورائيا
وما بي إشراك ولكن حبها ... كعظم الشجا أعيا الطبيبَ المداويا
فمت أنت يا قلباه إن كنت ميتًا ... بلبنى وإلا فاسلُ إنْ كنتَ ساليا
خليلي إني قد بليت ولا أرى ... لبينى على الهجران إلا كما هيا
وللناسِ همٌّ وهي ما عشتُ همتي ... من الناس أو وجدي إذا كنتُ خاليا
وبين الحشا والقلب مني حرارةٌ ... ووسواسُ حزن يترك القلب ساهيا
وللعين أسراب إذا ما ذكرتها ... على الجيد ... من كان باكيا
أحب من الأسماء ما وافق اسمها ... وأشبههُ أو كان منه مدانيا
وإني لأستغشي وما بي غشيةٌ ... لعل خيالًا منك يلقى خياليا
إذا طنت الأذنان قلتُ ذكرتني ... أو اختلجتْ عيني رجوتُ التلاقيا
أراني إذا فارقتُ لبنى كأنما ... يميني أراها فارقتها شماليا
فإنْ منعوها أو تحل دونها النوى ... فلن يمنعوا قلبي من الذكر خاليا
ولن يمنعوا عيني من الدمع كلما ... جرت خطرة بالقلب من ذكرها ليا
فما ذكرتْ عندي لها من سمية ... من الناسِ إلا بلَّ دمعي ردائيا
ولا طلع النجمُ الذي يهتدي به ... ولا الصبح إلا هيجا ذكرها ليا
خليلي إني قد أرقتُ ونمتما ... لبرق يمانٍ فأجلسا عللا نيا
وله أيضًا:
بنفسي من قلبي له الدهر ذاكرُ ... ومن هو عني معرض القلب صابرُ
ومن حبه يزدادُ عندي جدةً ... وحبي لديه مخلقُ العهد دائرُ
وله أيضًا:
وإني لأهوى النوم في غير حينه ... لعلَّ لقاءً في المنام يكونُ
تبشرني الأحلامُ أني أراكم ... فيا ليتَ أحلام المنام يقينُ
وله أيضًا:
أيا باعثَ الموتى أقدني من التي ... بها نهلتْ نفسي سقامًا وعلتِ
لقد بخلتْ حتى لو أني سألتها ... قذى العين من سافي التراب لضنت
فإنْ منعتْ فالبخلُ منها سجيةٌ ... وإنْ بذلتْ أعطتْ قليلًا ومنتِ
وله أيضًا:
سقى وجه لبنى حيث مستْ وأصبحتْ ... من الأرض منهلُّ الغمام رعودُ
على كل حالٍ إنْ دنتْ أو تباعدتْ ... وإنْ تدنُ منا فالدنو نريدُ
فلا اليأسُ يسليني ولا القرب نافعي ... ولبنى منوعٌ ما تكاد تجودُ
رمتني لبنى في الفؤاد بسهمها ... وسهم لبينى للفؤاد صيود
سلا كل ذي شجوٍ علمت مكانه ... وقلبي للبنى ما حييتُ ودودُ
أعالج من نفسي بقايا حشاشةٍ ... على رمقٍ والعائداتُ تعودُ
فإنْ ذكرتْ لبنى هششتُ لذكرها ... كما هشَّ للثدي الدريرِ ولودُ
قال أبو تمام حبيب بن أوس الطائي:
سقى اللهُ من أهوى على بعد نأيه ... وإعراضه عني وطولِ جفائه
أبى الله إلا أنْ كلفتُ بحبه ... فأصبحتُ فيه راضيًا بقضائه
وأفردتُ عيني بالدموع فأصبحتْ ... وقد غصَّ منها كلُّ جفن بمائه
فإنْ متُّ من وجدٍ به وصبابةٍ ... فكم من محب ماتَ قبلي بدائه
وله أيضًا:
تلقاهُ طيفي في الكرى فتجنبا ... وقبلتُ يومًا ظله فتغضبا
وخبرَ أني قد مررتُ ببابه ... لأخلسَ منه نظرةً فتحجبا
ولو مرتِ الريحُ الصبا عند أذنه ... بذكري لسبَّ الريحَ أو لتعتبا
ولم تجر مني خطرةٌ بضميرهِ ... فتظهر إلا كنتَ فيها مسببا
وما زادهُ عندي قبيحٌ فعاله ... ولا الصدُّ والأعراضُ إلا تحببا
وله أيضًا:
قال الوشاةُ بدا في الخد عارضهُ ... فقلتُ لا تكثروا ما ذاك عائبه
لما استقل بأردافٍ تجاذبه ... واخضر فوقَ جمان الدرِّ شاربه
وأقسم الوردُ أيمانًا مغلظة ... أنْ لا نفارقَ خديه عجائبه
كلمته بجفونٍ غير ناطقةٍ ... فكانَ من ردهِ ما قال حاجبه
الحسنُ منه على ما كان أعهده ... والشعرُ حرزٌ له ممن يطالبه
أحلى وأحسنُ ما كانتْ شمائله ... إذْ لاح عارضهُ واخضر غاربه
1 / 57