Kenang-kenangan Goethe
تذكار جيتي
Genre-genre
كذلك كلما تشابهت الأجزاء قل خضوع كل منها للآخر، فخضوع الأجزاء ينبئ عن مرتبة عالية في التكوين».
مقبرة الأمراء حيث دفن جيتي.
هذه فلسفة علمية يصح أن تنقل إلى الفلسفة السياسية، وهي صحيحة كل الصحة في العلم وفي السياسة، ولكنها تؤيد آراء الأحرار ولا تؤيد آراء المحافظين، فهي تستلزم أن تخضع جميعها لجزء واحد أو أجزاء قليلة، ثم هي تشير إلى حالة الصحة في تركيب الجسم حيث تتضامن أعضاؤه كلها في التعاون والتساند ، ولا تشير إلى حالة المرض التي يختل فيها تركيب البنية فيزيد الدم في ناحية وينقص في ناحية أخرى.
كان جيتي يعارض مبادئ الثورة الفرنسية ولكنه كان يرى أن الثورات من خطأ الحكومات، وأن أحسن الحكومات هي التي تعلمنا أن نحكم أنفسنا، وقد حذف صيحات الحرية من طبعات رواية «جوبتر» الأخيرة، وكان يتساءل: «ما فائدة الحرية الزائدة إذا كنا لا نستطيع أن ننتفع بها!» ولو أنه حرم الحرية يوما لما خطر له أن يسأل هذا السؤال.
وقد توسع جيتي في ختام «رحلات ولهلم ميستر» في الكلام عن الحكومات والأوطان وحقوق الإنسان في بلده وغيره بلده، فنصح بالرحلة والتنقل إلى حيث يفيد الإنسان؛ فقد يكون في بلده عاطلا متبطلا ولا يظهر عليه ذلك لساعته. أما في الغربة فالرجل الذي لا نفع فيه لا يلبث أن ينكشف، وقال: «ولقد طالما قيل إنه حيثما رضيت فهناك وطني، وأولى أن يقال: بل حيثما أفدت فهناك الوطن.» ثم قال: «على هذه الصفة نستطيع أن نحسب أنفسنا أعضاء في جامعة واحدة هي العالم بأسره، وهي فكرة بسيطة جليلة سهل على الإنسان تحقيقها بالفهم والاقتدار، فالاتحاد قوة كبرى؛ فلا انقسام إذن ولا خصومة بيننا، وليتعود كل منا أن يرى نفسه بغير صلة دائمة تقيده بمكانه، ولينشد الدوام في نفسه لا فيما حوله، فهنالك هو واجد واجبه وهنالك فلينعم به وليزده، وكل من وقف نفسه لألزم الحاجات وأقربها فهو متقدم في طريقه على ثقة في جميع الأحوال، أما الذين ينشدون الأرفع والأكمل فيفتقرون إلى حكمة أعظم وأقدر حتى في اختيار الطريق، أيا كان المرء عاملا أو محاولا فليعلم أنه لا يكفي نفسه ولا يستغني عن الجماعة.» ثم قال: «علينا واجبان أخذنا أنفسنا بالتزامهما أشد الالتزام، فأولهما أن نوقر كل عبادة دينية فإن جميع العبادات تلتقي على اختلافها في العقيدة، وثانيهما أن نوقر كذلك الحكومات على جميع أشكالها، ومتى كانت كل حكومة تهدي إلى العمل المدبر وتقوم على تشجيعه فعلينا أن نعمل وفاق ما تفرضه السلطة المقررة وترومه، أينما قسم لنا أن نكون.»
وليس في هذه النصائح جميعها نصيحة واحدة لا توافق طبيعة جتيى في صميها، فهو عالمي كأنه فردي، وليس كل عالمي فرديا على هذا المثال. •••
لقد عرفت البارونة «فون شتين» صاحبها حقا حين سمته باسم «اللاما» كاهن التبت الأكبر العاكف على رأس جبله في نجوة عن العالمين؛ فقد عاش جيتي في صومعة من نفسه وعاش كاللاما في سكينته وبعده، غير أننا حريون أن ننبه في ختام هذه الكلمة إلى خطأ قد يقع فيه المتعجل فيضل في فهم هذه العبقرية أشد ضلال. فلنقل ما نقول في «راحة» جيتي ولا ننس أبدا أنها هي راحة الذهن الكبير وليست براحة الذهن الصغير، وأن الزرافة لتقف في مكانها لا تبرحه ثم ترفع رأسها فتنال ذؤابة الشجر التي لا تنالها النملة إلا بعد ساعات تستهدف فيها للأخطار والمشقات، فإذا بدا للنملة أن تتهم الزرافة بالبطء وقلة الحركة فتفعل، ولكنها لا تصفها حينئذ أصدق الصفات.
تقدير جيتي
قدر جيتي في حياته وبعد مماته، واتفق له التقدير في منزلته الحكومية وفي مؤلفاته وفي منزلته الأدبية؛ فارتقى إلى أرفع المناصب في إمارة «فيمار» وأنعم عليه الإمبراطور بلقب النبالة وهو تنويه غير قليل في بلاد الألمان في ذلك الزمان، وبيعت مؤلفاته للناشرين بأثمان لم يعهد لها نظير في غير كتب فولتير، وسعت إليه وفود الأدباء من الأقطار الأوروبية تكبره وتحييه، وتسنم ذروة الشهرة العالمية في عصر ندر فيه الأدباء العالميون.
ولما مات دفن إلى جانب صديقه شيلر في مقبرة الأمراء وأقيمت له التماثيل وحفظت آثاره في داره، وتنافس جرمان النمسا وجرمان ألمانيا في تخليد ذكره وشرح مؤلفاته وتدوين الكبير والصغير من أخباره.
Halaman tidak diketahui