Kenang-kenangan Goethe
تذكار جيتي
Genre-genre
ولجيتي ترجمة كتبها بنفسه وأسماها «الشعر والحقيقة» لا يستغني عنها المتعرف له ولزمانه، وقد دونها لشعوره بتفرق كتبه وحاجتها إلى تفسير لمناسباتها وآصرة تجمع شتاتها، فلما تكاملت بين يديه طبعه مؤلفاته في سنة 1808 أحس بهذه الحاجة ورأى أن هذه الكتب إن هي إلا مقطوعات شتى من اعتراف واحد طويل. فأقبل على تاريخ حياته يستعيده ويملأ فيه الفجوات بين تلك المقطوعات، وهو في تدوين مذكراته كان يجري على سنة عصره أو على سنة النابهين في آداب الثورة الفرنسية من قبله؛ فله باعث في تدوينها غير باعث التقريب بين فترات حياته والوصل بين أشتات مؤلفاته.
على أن هذه الترجمة نفسها بقيت ناقصة كما قد بقيت تلك المؤلفات! وقد ألحقها بمذكرات أخرى أوجز منها، ولكنه انتهى بها إلى ما قبل وفاته بعشر سنين، ولم يزد عليها.
عبقرية جيتي
من العبقريين من تعرف مداه بكتاب واحد أو قصيدة واحدة، لأنه يرتقي إلى أوجه في بعض أعماله فيأتي بخير ما عنده أو بكل ما عنده، وتعرفه حق عرفانه فلا تحتاج إلى تجربة له بعدها ولا تصيب في التجربة الجديدة إلا تكرارا لا جديد فيه.
ومنهم من يعطيك جزءا من عبقريته في كل جزء من كتاباته، فبعضها لا يدل على مداها كلها، وتكرار القراءة فيها ينتهي بك كل يوم إلى جديد، فلا غنى لك عن التجربة بعد التجربة لسبر غورها والإحاطة بمداها، والحكم عليها في جميع أحوالها.
وجيتي من هؤلاء العبقريين الذين لا ينبئ قليلهم عن كثيرهم؛ لأنه لم يجمع نفسه في قطعة واحدة ولا موضوع واحد، فهو كثير الجوانب كثير التجزئة، الموضوع الواحد عنده لا يدل على كل موضوعاته، والجزء الصغير لا يدل على جملة الموضوع، فكل فكرة له هي أصغر من الرجل في جميع أفكاره، كما أن اليوم الواحد في غمار أيامه هو أصغر لا محالة من سنيه الثمانين.
تلك إحدى الصعوبات التي تعوق عن التعريف بهذا العبقري الكبير، وصعوبة أخرى مثلها هي بساطته وقلة احتياله في تعبيره وتجافيه عن التزويق والتفخيم في سياقه؛ فلا اصطناع ولا إيهام ولا زخرفة وإنما هي أفكار يلقيها إليك على هينة كما جاءته على هينة. وكلها سواء عنده في الحفاوة والخطر؛ فلا الكبير عنده مستهول ولا الصغير مزدرى! إنما هو المارد الجبار يحمل الصخرة كما حمل الحصاة، ويمشي بأثقل أحماله وأخفها في خطو وئيد وقوام قويم.
وإذا كان بعض الكتاب يمشي إلى غرضه كما يمشي البهلوان على الحبل، أو كما يمشي اللاعب على يديه، أو كما يمشي الراقص المترنح المتبختر أو كما يمشي الكاهن الوقور لا ينظر إلى يمنة ولا إلى يسرة، فجيتي ليس يعرف هذه المشى وليس يركب إلى غرضه حبلا ولا يترنح ولا يتكلف، بل يخيل إليك أحيانا من قلة النصب في حركته أنه يمشي إلى غير غرض كما يمشي المتريض في ساعة فراغه. فإذا أفضيت معه إلى غايته فقد تتعب وقد تنكر المسعى، ولكنك تشعر أنك كنت تمشي مع دليل أمين ولم تكن تتبختر مع رقاص أو تقفز مع بهلوان! وأنت بعد ومذهبك في حركات الأقدام؛ فالجاري على الحبل أبرع ولا ريب في فنون هذه الحركات من السالك في الطريق كما يسلك سائر الخلق، ولكنه بهلوان وليس كل إنسان ببهلوان! ويلعب والناس لا يتعلمون المشي ليلعبوا على الحبال!
حجرات منزل جيتي من الداخل.
وكلمة واحدة - مع هذا - تسمعها من جيتي تنبئك أنه قد وصل إلى مدى لا يصل إليه الكثيرون، ولا يلزم أن تكون هذه الكلمة رنانة ولا موشاة ولا صاخبة ولا أنيقة، فقد تنبئك نبأها الصحيح ولا حظ لها من رنين أو وشي أو صخب أو أناقة.
Halaman tidak diketahui