الوجود بذاته ، ومن أين حصل لنا هذا المعنى حتى نقول إن واجب الوجود بذاته هو اسم الأول؟ فالجواب : أنا ندرك الأمور التي تتعلق فى الوجود بغيرها من طريق الحس أو من وجه آخر ، فتكون دلالة واجب الوجود بذاته على الضد من المعنى الذي حصل فى أذهاننا من الموجود بغيره. ومثل ذلك تصورنا الأشياء العدمية من الوجودية. ولذلك قد نرى أشياء كثيرة من غير أن نرى معها علتها أو سببها كالفلك ، فنتصور من ذلك فى أذهاننا الوجود الذي لا سبب له.
دلالة اللفظ على المعنى دلالة العسل المشاهد على حلاوته. وكما أن العسل أدرك حلاوته من أكله بحس الذوق ، ولونه بحس البصر ، ثم لما شاهده علم أنه حلو ، إلا أن الحلاوة تأدت إليه من حس البصر ، بل لما ارتسم فى نفسه حلاوته؛ فكذلك الألفاظ إذا سمعت أدرك مع سماعها معنى ، فارتسم فى النفس المعنى. واللفظ معا. فكلما خطر بالبال ذلك المعنى أدرك اللفظ ، وكلما سمع ، ذلك اللفظ أدرك المعنى ، لا أن اللفظ هو ذلك المعنى ، بل هو مؤد إلى إدراكه.
الوجود الصورى هو الوجود العقلى. ومعنى الوجود العقلى أنه إذا وجدت تلك الصورة لشىء صار ذلك الشىء عقلا بها ، وإذا وجدت الصورة بشيء صار عاقلا لها. فالأول أولى بأن يكون عقلا وعاقلا ومعقولا.
الواجبات والأوليات واجبة بذاتها ، والاعتباريات ليست واجبة بذواتها ، بل يجب الشعور بها والتنبيه عليها.
الشعور بالذات لا يصح بآلة جسمانية ، فيجب أن يكون الشاعر بها والمشعور واحدا ، ويكون سببا أحديا مجردا ، ويجب أن يكون الشعور بالذات يدرك بالذات ، لا غيرها ، بل كلما فرضت أنك قد علمت ذاتك ، وأنه حصل لك علمك بذاتك بآلة من الآلات ، وجب أن يكون قد سبق علمك بذاتك ، فإنك ما لم تعرف ذاتك لم تعلم أن هذا الذي أدركته ذاتك ، كما أنك إذا لم تعرف شخصا ما بأحواله وصفاته وعلاماته فإذا شاهدته جمعت بينه وبين تلك الأحوال والصفات لم يمكنك أن تقول : قد أدركته.
الطريق المسلوك إلى معرفة البارى هو أنا جئنا فقسمنا الوجود إلى الواجب وغير الواجب ، ثم قسمنا الواجب إلى ما هو بذاته ، وإلى ما هو ليس بذاته ، وقسمنا غير الواجب إلى ما هو غير واجب بذاته الذي هو الممتنع ، وإلى ما هو غير واجب لا بذاته ، وهو الممكن. وعرفنا خواص كل واحد من هذه الأقسام : بعضها بواسطة بعض ،
Halaman 162