فقال: أوقّر به حديث رسول الله. وقال ابن المبارك: كنت عند مالك وهو يحدثنا بحديث رسول الله، فلدغته عقرب ستّ عشرة مرة، وهو يتغير لونه، ويصفر وجهه، ولا يقطع الحديث، فلما تفرق الناس عنه قلت له: لقد رأيت اليوم منك عجبًا، فقال: صبرت إجلالًا لحديث رَسُولُ اللَّهِ ﷺ. وَقَالَ مصعب بن عبد الله: كان مالك إذا ذكر النبي ﷺ يتغير لونه، وينحني، فقيل له في ذلك، فقال: لو رأيتم ما رأيت لما أنكرتم. وذكر ابن خلّكان (وفيات الأعيان: ٤/١٣٦): كان مالك لا يركب في المدينة مع ضعفه وكبر سنّه، يقول: لا أركب في مدينة فيها جثة رسول الله ﷺ مدفونة.
الفائدة الثالثة: في ذكر فضائل الموطّأ وسبب تسميته به وما اشتمل عليه
- قال السيوطي في "تنوير الحوالك" (١/٦، ٨): قال القاضي أبو بكر بن العربي في "شرح الترمزي": الموطّأ هو الأصل الأول واللباب، وكتاب البخاري هو الأصل الثاني في هذا الباب، وعليهما بنى الجميع كمسلم والترمزي. وذكر ابن الهيّاب (في الأصل: ابن الهباب، وهو تحريف) أن مالكًا روى مئة ألف حديث، جمع منها في الموطّأ عشر آلاف حديث، ثم لم يزل يعرضها على الكتاب والسنة، ويختبرها بالآثار والأخبار حتى رجعت إلى خمسمائة. وقال إِلْكيَا الهَرَّاسي في تعليقه في الأصول: إن موطّأ مالك كان اشتمل على تسعة ألاف حديث، ثم لم يزل ينتقي حتى رجع إلى سبعمائة. وأخرج أبوالحسن بن فهر في "فضائل مالك" عن عتيق بن يعقوب، قال: وضع مالك الموطّأ على نحو من عشرة آلاف حديث، فلم يزل ينظر فيه في كل سنة، ويسقط منه حتى بقي منه هذا ...
وأخرج ابن عبد البّر عن عمر بن عبد الواحد صاحب الأوزاعي، قال: عرضنا على مالك الموطّأ في أربعين يومًا فقال كتاب ألفته في أربعين سنة أخذتموه في أربعين يوما، ما أقل ما تفقهون فيه! ... وقال أبو عبد الله محمد بن إبراهيم الكناني الأصفهاني: قلت لأبي حاتم الرازيّ: لم سُمِّي موطّأ مالك بالموطّأ؟ فقال شيء قد صنّفه ووطّأه للناس، حتى قيل موطّأ مالك، كما قيل جامع سفيان، وقال أبو الحسن بن
1 / 73