عصر واحد، فلا يدرى أيهم سبق، ثم تلاهم كثير من أهل عصرهم في النسج على منوالهم الى أن رأى بعض الأئمة منهم أن يفرد حديث النبي ﷺ خاصة، وذلك على رأس المئتين، فصنفوا المسانيد، فصنف عبد الله بن موسى العبسي مسندا، ثم صنف نعيم بن حامد الخزاعي نزيل مصر مسندا، ثم اقتفى الأئمة أثرهم في ذلك، فقلّ إمام من الحفاظ إلا وصنف حديثه في المسانيد كالإمام أحمد بن حنبل واسحاق ابن راهويه وعثمان ابن أبو شيبة وغيرهم، ومنهم من صنف على الأبواب والمسانيد معا" كأبي شيبة، فلما رأى البخاري هذة التصانيف، ووجدها بحسب الوضع جامعة بين ما يدخل تحت التصحيح والتحسين، والكثير منها يشتمل على الضعيف، فحّرك همتّه لجمع الحديث الصحيح. انتهى كلامه (ليس غرض الحافظ أن كتابة الحديث لم تبدأ إلا في أواخر عصر النابعين، بل غرضه أن الكتابة بصورة الكتب والرسائل لم يشرع فيها إلى ذاك الوقت، وإلا فمجرد الكتابة كان من زمن النبي ﷺ، وهناك روايات كثيرة صريحة في زمنه ﷺ، واستقر الأجماع على جوازها انظر: مقدمة "أوجز المسالك". ١/١٣، ١٤) .
وقال ابن الأثير الجزري (هو مبارك بن محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الجزري، نسبة الى جزيرة ابن عمر بلدة الشافعي، مؤلف "جامع الأصول" و"النهاية" في غريب الحديث، وله أخ معروف بابن الأثير مؤلف "المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر" وهو أبو الفتح نصر الله المتوفي سنة ٦٢٧ هجري، وأخ آخر مؤلف "أسد الغابة في أخبار الصحابة" اسمة عز الدين علي المتوفي سنة ٦٢. هجري، وكثيرًا ما يشتبه أحدهم بالآخر، وقد سقطت تراجمهم في التعليقات (ش)، في مقدمة كتابه "جامع الأصول" (١/٤٣ـ٤٦): والناس في تصانيفهم التي جمعوها مختلفو الأغراض، فمنهم من قصر همته على تدوين الحديث مطلقا ليحفظ لفظه وليستنبط له الحكم، كما فعله عبيد الله بن موسى العبسي وأبو داود الطيالسي وغيرهما من أئمة الحديث أولًا، وثانيًا الإمام أحمد بن حنبل ومن بعده، فإنهم أثبتوا الأحاديث في مسانيد رواتها، فيذكرون مسند أبي بكر الصديق مثلًا، ويثبتون فيه كل ما روي عنه، ثم يذكرون بعده الصحابة واحدًا بعد
1 / 65