مقَدِّمَة الشَّارح
الحمد لله الذي اصطفى من عباده رسلًا وأنبياء، وجعل أفضلهم وأكملهم خاتَمَ الأنبياء، فهدى بهم الأمم الطاغيَة والفِرَق الباغِيَة، أحمده حمدًا كثيرًا، وأشكره شكرًا جميلًا على أن اختار لأفضل أنبيائه وزراء ونقباء وخلفاء وأبدالًا ونجباء، من اقتدى بأحدهم اهتدى، ومن ترك سبيلهم ولم يتمسَّك بسننهم استحق الحفرة الحامية. أشهد أن لا إله إلا هو وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسولُه، صاحب المعجزات الباهرة، اللهم صلِّ عليه وعلى آله وصحبه وتَبَعه إلى يوم الآخرة.
وبعد فيقول عبده الراجي عفو ربه (في الأصل: عفوه القوي، والظاهر عفو ربه القوي) القوي، معدن السيئات ومخزن المخالفات المكنّى بأبي الحسنات، المدعو بعبد الحي اللَّكنَوي، ابن مولانا الحاج الحافظ محمد عبد الحليم، أدخله الله دار النعيم: لا يخفى على أولي الألباب أنّ أفضل العلوم علمُ السُّنَّة والكتاب، وأن أفضل الأعمال القيام بخدمتها ونشر أسرارهما، وكثيرًا ما كان يختلج في قلبي أن أشرح كتابًا في الحديث وأكشف أسراره بالكشف الحثيث، باعثًا لرضا نبينا شفيع المذنبين، ورضاه رضا رب العالمين، عسى الله أن يجعلني ببركته من الصالحين، ويحشرني في زمرة الحدِّثين مع الأنبياء والصديقين. إلاَّ أن ضيق باعي قد كان يثبّطني عن القيام في هذا المقام إلى أن أشار إلىَّ (في الأصل: "إليه" والظاهر "إليَّ") بعضُ من أمْرُهُ حتم وإرشاده غنم أن أحشِّيَ موطَّأ الإمام مالك الذي قال الإمام الشافعيُّ في حقه: (ما على ظهر الأرض كتابٌ بعد كتاب الله أصحّ من كتاب مالك) (تزيين الممالك: ص ٤٣)، وأعلق عليه حاشية وافية وتعليقات كافية. فتذكّرتُ ما رأيت في المنام في السنة الثامنة والثمانين والمائتين (في الأصل: "والمائتين" ساقطة) بعد الألف من الهجرة - على صاحبها أفضل الصلاة والتسليم والتحية - كأنِّي دخلت في المسجد النبوي بالمدينة الطيبة، فإذا أنا بالإمام مالك
1 / 59