بين الحديث والفقه، وآثار الصحابة وأقوال التابعين، فللإمام مالك ولكتابه منَّة على رقاب الأمة جميعًا.
وتهافت على روايته وسماعه عن المؤلف الإمام محدِّثون وأئمة فقهاء، وعلماء وملوك، كما لم يتفق لغيره من الكتب ذلك، وقد أفرد له القاضي عياض بابًا في المدارك ("ترتيب المدارك": ٢/١٧٠) .
واشتهر من رواته جماعة نُسبت إليهم نُسَخ الموطَّأ: منهم الإمام محمد بن الحسن الشيباني الكوفي، صاحب الإمام أبي حنيفة النعمان، والإمام يحيى بن يحيى المصمودي الأندلسي، ونسخة يحيى هي المعروفة بين أهل العلم، قد شرحها جمع من المتقدمين والمتأخرين، ومنهم شيخنا المحدِّث الكبير محمد زكريا الكاندهلوي المتوفَّى سنة ١٩٨٢ بالمدينة المنورة، على صاحبها الصلاة والسلام، وأسمى شرحه "أوجز المسالك إلى موطأ الإمام مالك"، طُبع في القاهرة في خمسة عَشَرَ مجلدًا.
وقد قام باستيفاء من شرحه قديمًا وحديثًا من أقدم عهد إلى عهده في الفائدة العاشرة من الفصل الثاني من مقدمة الكتاب.
وأما نسخة محمد بن الحسن الشيباني، فلم يشرحها إلا الشيخ بيرى زاده، والشيخ علي القاري، ثم جاء بعدهما الإمام عبد الحي اللّكنَوي، فقام بشرح الكتاب فكفى وشفى.
والكتاب كان بالخط الفارسي، وطُبع في الهند مرارًا طباعة حجرية دقيقة بحيث لا تكاد تبدو للناظر، وقد كان ذلك من أسباب زهد كثير من فضلاء العرب في الاستفادة منه، وانصرافهم عنه، وقد طال طلب إخواننا طبْع هذا الكتاب على الحروف الجديدة وفي الحروف العربية وحدها كما ذكر الشيخ عبد الفتاح أبو غُدّة في هامش "الرفع والتكميل" (في ص ٦٥)، وقد طُبع هذا الكتاب العظيم مرات كثيرة، وكلها
1 / 52