وفي تداخل الكلمات في السطور، وإلا أفرادٌ قليلون من العلماء العرب، الذين يستهويهم التحقيق العلمي والفتوحات الربانية في المطبوعات الهندية، النفيسة المضمون والعلم.
وأمَّا عامَّةُ القراء العرب فما أبعدَهم من الصبر على قراءة مثلِ هذا الكتاب، ومن المطبوعات الهندية القديمة، فلذا حُرم من هذا الكتاب وأمثاله كثيرون من إخواننا العلماء العرب، وحيلَ بينهم وبين ما يشتهون.
وقد كنتُ منذ ثلاثين سنة نوَّهْتُ بفضل هذا الكتاب ومزاياه، في بعض تعليقاتي على كتاب "الرفع والتكميل"، وقلتُ: إنَّ خُلُوَّ مكتبة العالم منه حِرمانٌ كبير، فأخذت هذا الكلمةُ مأخذها من عَزائم كثير من العماء وبعض الجهات العلمية الرسمية، التي اعتادت نشر الكتب النادرة النفيسة النافعة، فعزمَتْ وزارة الأوقاف في دولة الإمارات العربية المتحدة على طبعه، واهتمت به، وكلَّفتني بتحقيق دولة مقدمته التي قدَّم بها المؤلف قبل الدخول في الشرح، والتي تبلغ كتابًا مستقلًا غير صغير، ونسخَتْها وبعثتها إليَّ، ثم توقَّفَتْ لبعض الأسباب، فوقف الكتاب كما هو!
ثم عزَمَتْ مؤسسة شهيرة كبيرة قديرة من دور النشر، على نشره، ونسخته إلى منتصفه، وقدَّمته لي وكلَّفتني بتحقيقه والعناية به، وكنتُ حينئذ في ارتباط علمي ودراسي جامعي ومشاغل زاحمة! لا يمكنني معها أن أتفرغ له كما أحب، ليَخرج كما يَستحق أن يُخرَج به، فتوقفَ نشرُه أيضًا!
وأخيرًا توجهَتْ هِمَّةُ الأخ الفاضل الشيخ الدكتور تقي الدين النَّدْوي، الهنديُّ المنشأ والدار، العربيُّ المُقام والقرار، إلى نسخه وكتابته والصبر على خدمته بكل دقة وأمانة، ليَخرج إلى القراء بالطباعة الفائقة، والعناية الطبية، وتنزيلِ شروحه وتعليقاته في منازلها، وربطها بالألفاظ المتصلة بها، مع الضبط والإتقان.
وكان مما أعانه وشجّعه على ذلك اهتمامُ الأخ الأستاذ محمد على دولة، ناشِرِ الكتب النافعة المختارة المنتقاة، السليمة القويمة، فاستقبل هذا الكتابَ بترحاب واستعداد كامل لنشره، عملًا بثنائي عليه وحَضِّي على طبعه وإخراجه.
فلهذين الأخوين الأستاذين الفاضلين يعودُ فضلُ إخراج هذا الكتاب العظيم، ولهما مِنَّةٌ على من يقرأه بهذا العرض الرائق القشيب، وهذا الطبع الفصيح الجميل.
1 / 47