وقد تحقق عندي واستقَرَّ في نفسي، من تتبعي لكتب الإمام محمد عبد الحي اللكنوي رحمه الله تعالى ومؤلَّفاته: رسائلَ صغيرة في صفحات، أو كتبًا كبيرة في مجلدات: أنَّ تصانيفَهُ دائمًا - على اختلاف مواضيعها - تتميَّزُ بمزايا لا تجتمع عند غيره.
ففيها التميُّزُ بالضبط التام الدقيق للألفاظ المقتضية ذلك، والشرحُ الوافي للمعاني، وتبيينُ الأحكام الفقهية - إن كان الموضوع فقهًا - بما يكفي ويشفي.
وفيها تراجم العلماء الذين يأتي ذكرُهم في سياق البحثِ عنده، لزيادة التعريف بهم، بإيجاز في محله، وباستيعابٍ في محله.
وفيها الحديثُ عن رجال الإسناد أو بيانُ حاله إذا كان المقامُ يقتضي ذلك. وفيها تنوُّع مَعارفه المتوازِنُ المتينُ، في التفسير، والحديث وعلومهما، والفقه، والأصول، والفتاوي، والكلام، والتاريخ، والسِّيَر، والتراجم، والأنساب، واللغة، والنحو، والصرف، والمنطق، والمناظرة، والحكمة. وقلَّ أن يجتمع هذا كلُّه في العلماء.
وفيها التمكن التام من الولوج في كل علم أو فن يؤلِّفُ فيه، بل فيه التفوُّقُ والمهارة البارزة والإتقان الظاهر في كل ما يكتبه، وفيها من التواضع البالغ عند عرض المسائل والآراء، التي يختارها أو يرجحها أو يجزم بها ويخطِّئ سواها، فلا انتفاخ ولا صُراخ، ولا استكبار ولا استعلاء، ولا تكلف ولا مغالاة.
وفيها الإنصاف والاعتدال، والبعدُ عن التعصب لمذهب أو رأيٍ معيَّن، بوضوح وجلاء، اتباعًا منه للدليل ولوجاهة الرأي المختار. وفيها استيعابُ الاستدلال للمسألة التي يحققها حتى ينتهي بالقارئ إلى الحكم الذي قرَّره ويُقنعَه به.
وفيها الصبر والجَلَدُ القوي على مناقشة ما يَحتاج إلى المناقشة بتروٍّ وأناة، ليتميَّز الصوابُ من الخطأ في الموضوع.
وفيها كثرةُ المصادر المعروفة وغيرِ المعروفة، يَسردُها بلا كلل ولا ملل، وكأنها كلَّها كالخاتم في يده، أو السطورِ أمامَ عينيه، فينقلُ منها ما يريد، لدعم ما انتهى إلى تقريره بكل أمانة ودقة واستيفاء، وكثير من تلك المصادر التي ينقل منها ما سمع جلَّة العلماء المشتغلين في العلم بأسمائها فضلًا عن معرفتهم بذواتها وقراءتها، فلذا يَكثُر الجديدُ والمفيدُ في كل ما يكتبه.
1 / 43