الأحكام. ولا يستقيمُ إلاَّ بالحديث أي لا يستقيمُ العمل بالرأي والأخذ به إلاَّ بانضمام الحديث إليه".
قال عبد الفتاح: وقد أطلق هذا اللقب: (أصحابُ الرأي) على علماءِ الكوفة وفقهائها، من قِبَل أناس من رواة الحديث، كان علمهم أن يخدموا ظواهرَ ألفاظ الحديث، ولا يرومون فهمَ ما وراءَ ذلك من استجلاءِ دقائق المعاني وجليل الاستنباط، وكان هؤلاء الرواة يَضِيقُون صدرًا من كل من أعملَ عقله في فهم النص وتحقيق العلة والمناط، وأَخَذَ يَبحثُ في غير ما يبدو لأمثالهم من ظاهر الحديث، ويَرَونه قد خرج عن الجادة، وتَرَك الحديثَ إلى الرأي، فهو بهذا - في زعمهم - مذمومٌ منبوذُ الرواية.
وقد جرحوا بهذا اللقب طوائف من الرواة الفقهاء الأثبات، كما تراه في كثير من تراجم رجال الحديث، وخذ منها بعض الأمثلة:
-١ - جاء في ترجمة (محمد بن عبد الله بن المثنى الأنصاري) عند الحافظ ابن حجر في "هدي الساري" (١٦١: ٢)، قولُ الحافظ: "من قُدَماءِ شيوخ البخاري، ثقة، وثَّقه ابن معين وغيرُه، قال أحمد: ما يُضعفه عند أهل الحديث إلا النظرُ في الرأي، وأما السماع فقد سَمِع" انتهى. قلت: انظر ترجمته في "تذكرة الحفاظ" للذهبي، (٣٧١: ١) و"تهذيب التهذيب" (٢٧٤: ٩ - ٢٧٦) .
-٢ - وقال الحافظ ابن حجر أيضًا في "هَدْي الساري" (١٧٠: ٢)، في ترجمة (الوليد بن كثير المخزومي): "وثقه إبراهيم بن سعد وابنُ معين وأبو داود، وقال الساجي: قد كان ثقةً ثبتًا، يُحتَجُّ بحديثه، لم يُضعفه أحد، إنما عابوا عليه الرأي".
-٣ - وقال الحافظ الذهبي في "المغني" (٦٧٠: ٢): "مُعَلَّى بن منصور الرازي، إمامٌ مشهور، موثق، قال أبو داود: كان أحمد لا يروي عنه للرأي، وقال أبو حاتم: قيل
1 / 35