كلماتٌ في العمل بالرأي الذي يُغمزُ به محمد بن الحسن والحنفيةُ وغيرهم:
- أشرتُ في أول الترجمة الموجزة لمحمد بن الحسن أنه كان يُغمَزُ بالعمل بالرأي.
وأقول: العملُ بالرأي مع العدالة والضبط لا يَجرح صحة الرواية، ولا يُضعفها، ولا يُخلُّ بصدق الراوي، لأن الأمانة في النقل منه قائمة تامة، وورَعُ العدل يمنعُهُ أن يزيد حرفًا أو يَنقُصَ حرفًا في الحديث الذي يرويه، لديانته بروايته، ولحفظِ سُمعتِهِ بسلامته.
وقد عَمِلَ بالرأي من لا يحصى كثرة من المحدثين والفقهاء من أهل المدينة والكوفة والبصرة والعراق وغيرها. بل اشتهر بعضهم بقَرْن الرأي في اسمه نَعتًا له، مثلُ الإمام ربيعةَ الرأي (أبي عثمان ربيعة بن أبي عبد الرحمن) التابعي المَدَني، شيخ مالكٍ والثوري وشعبة والليث بن سعد وهذه الطبقة، المتوفى سنة ١٣٦.
وأمَّا غمزُ الحنفية بالعمل بالرأي فقال الإمام فخر الدين البَزْدَوي في مقدمة كتابه "أصول الفقة" للحنفية أصحابَ الرأي: "وأصحابُنا هم السابقون في هذا الباب - أي الفقه -، وهم الربَّانيُّون في علم الكتابِ والسنَّة وملازمة القدوة، وهم أصحاب الحديث والمعاني.
أما المعاني فقد سَلَّم لهم العلماء، حتى سَمَّوهم أصحابَ الرأي، والرأيُ اسم للفقه - قال ابن تيمية: وتسمَّى كتبَ الفقه كتبَ الرأي، كما في "مجموع الفتاوي" ٧٤: ١٨ -.
وهم أولى بالحديث أيضًا، ألا ترى أنهم جوَّزوا نسخ الكتاب بالسنَّة، لقوة منزلة السنَّة عندهم، وعملوا بالمراسيل تمسكًا بالسنَّة والحديث، ورأوا العمل بها مع الإرسال أولى من الرَّأي، ومَنْ رَدَّ المراسيل فقد رَدَّ كثيرًا من السنة، وعَمِلَ بالفرع بتعطيل الأصل، وقدَّموا روايةَ المجهول على القياس، وقدَّموا قول الصحابي على القياس. وقال محمد رحمه تعالى في كتاب "أدب القاضي": لا يستقيمُ الحديثُ إلا بالرأي، ولا يستقيمُ الرأيُ إلا بالحديث". انتهى. كلام البزدوي.
قال العلاَّمة علاء الدين البخاري في شرحه: "كشف الأسرار" ١٧: ١: "معناه لا يستقمً الحديثُ إلاَّ باستعمال الرأي فيه، بأن يدرك معانيه الشرعية التي هي مناط
1 / 34