"ألَّفَ عبدُ العزيز بن عبد الله بن أبي سَلَمة الماجِشُون كتابًا فيما اجتمع عليه أهل المدينة، ولما اطلع عليه مالك بن أنس ﵁ استحسن صنعه إلا أنه أخذ عليه إغفاله ذكر الأخبار والآثار في الأبواب، حتى قرر مالك أن يقوم هو بنفسه بجمع كتاب تحتوي أبوابه صحاح الأخبار، وعمل أهل المدينة، في أبواب الفقه، فألَّف الموطأ، وأَخَذ يلقيه على أصحابه فيتلقونَهُ منه سماعًا.
ولم يكن تأليفُه الكتاب ليعطيَهُ الناسَ فينسخوه ويتداولوه بينهم، كعادة أهل الطبقات المتأخرة في تصانيفهم، بل كان التعويل حينذاك على السماع فقط.
وكان تأليفُهُ الكتابَ لنفسِهِ خاصة، لئلا يَغلَطَ فيما يُلقيه على الجماعة، كعادة أهل طبقته من العلماء في تآليفهم، ولذا كان يَزيدُ فيه وينقُصُ منه حسبَ ما يبدو له في كل دَورٍ من أدوار التسميع المختلِفة، فاختلفت نُسَخُ الموطأ ترتيبًا وتبويبًا وزيادة ونقصًا وإسنادًا وإرسالًا على اختلاف مجالس المستملين.
فأصبح رواتُها على اختلاف الخَتَمات هم مُدوِّنُوها في الحقيقة، فمنهم من سَمِعَ عليه الموطأ سبعَ عشرةَ مرة، أو أكثرَ أو أقل، بأن لازَمَه مُدَدًا طويلةً تَسَعُ تلك المرات، ومنهم من جالسه نحو ثلاثِ سنوات، حتى تمكن من سماع أحاديثه من لفظه ومنهم من سَمِعَهُ عليه في ثمانية أشهر، ومنهم من سَمِعَهُ في أربعين يوما؟ ً، ومنهم من سَمِعَه عليه في أيام هرمه في مدة قصيرة، ومنهم من سَمِعَه في أربعة أيام، إلى آخِرِ ما فُصِّل في موضعه.
ومنازلُ هؤلاء المستملين تتفاوَتُ فهمًا، وضبطًا، وضعفًا، وقوةً، فتكونُ مواطنُ اتفاقهم في الذروة من الصحة عن مالك، ومواضعُ اختلافهم وانفرادهم متنازلةَ المنازلِ إلى الحضيض حسبَ مالهم من المقام في كتب الرجال.
وقد ذكر أبو القاسم الغافقي اثني عشر راويًا من رواة الموطأ في "مسند الموطأ" له، فيهم عبد الله بن يوسف التِّنِّيسِي، ومحمدُ بن المبارك الصُّورِي، وسليمان بن بُرْدَة. واستدرك السيوطيُّ عليه راويين نسختاهما من أشهر النُّسخ.
وساق ابنُ طولون في "الفهرس الأوسط" أسانيد الموطأ من أربع وعشرين طريقًا، وكذلك أبو الصَّبر أيوبُ الخَلْوَتي، حيثُ ساق أسانيده في "ثَبَتِه" من طريق ابن طولون ومن غير طريقه.
1 / 28