وروى الإمام البيهقي في "مناقب الشافعي" (١٥٢: ٢): "عن الربيع المُرادي قال: سمعت الشافعي يقول لأبي علي بن مِقلاص - عبد العزيز بن عمران، المتوفى سنة ٢٣٤، الإمام الفقيه -: تريد تحفظ الحديث وتكونُ فقيهًا؟ هيهات! ما أبعَدك من ذلك - ولم يكن هذا لبلادة فيه حاشاه -.
قلت - القائل البيهقي -: وإنما أراد به حفظه على رَسم أهل الحديث، من حفظ الأبواب والمذاكرة بها، وذلك علم كثير إذا اشتغل به، فربما لم يتفرغ إلى الفقه، فأما الأحاديث التي يحتاج إليها في الفقه، فلا بد من حفظها معه، فعلى الكتاب والسنة بناء أصول الفقه، وبالله التوفيق.
وقد أخبرنا أبو عبد الله الحافظ - هو الحاكم النيسابوري - قال: أخبرني أبو عبد الله محمد بن إبراهيم المؤذن، قال: سمعت عبد الله بن محمد بن الحسن يقول: سمعت إبراهيم بن محمد الصيدلاني يقول: سمعت إسحاق بن إبراهيم الحنظلي - هو إسحاق بن راهويه - يقول: ذاكرت الشافعي، فقال: لو كنتُ أحفظ كما تحفظ لغلبت أهل الدنيا.
وهذا لأن إسحاق الحنظلي كان يحفظه على رسم أهل الحديث، ويَسرد أبوابه سردًا وكان لا يهتدي إلى ما كان يهتدي إليه الشافعي من الاستنباط والفقه، وكان الشافعي يحفظُ من الحديث ما كان يحتاج إليه، وكان لا يستنكف من الرجوع إلى أهله فيما اشتَبَه عليه، وذلك لشدة اتقائهِ لله ﷿، وخشيته منه، واحتياطه لدينه". انتهى.
قال عبد الفتاح: وفي كلٍ من هذين النصين الغاليين فوائد عظيمة جدًا، ففيه أن الجمع بين الفقه والحديث على رسم أهل الحديث متعذر - إلا لمن أكرمه الله بذلك - إذ قال الشافعي في هذا: هيهات!.
وفيه بيانُ الإمام البيهقي لهذا المعنى بجلاء ووضوح وهو إمام محدث وفقيه، فلكلامه مَقامٌ رفيع في هذا الباب.
وفيه دَعم الإمام البيهقي رحمه الله تعالى هذا الذي قاله في تفسير كلمة الشافعي
1 / 21