لقاء العشر الأواخر بالمسجد الحرام (٥)
تعليق لطيف على آخر حديث في رياض الصالحين
تأليف
العلامة الشيخ قاسم بن صالح بن أبي بكر الشهير بالقاسمي الدمشقي (١٢٢١ - ١٤٨٤ هـ)
تحقيق وتعليق
محمد بن ناصر العجمي
ساهم بطبعه بعض أهل الخير بالمدينة المنورة
دار البشائر الإسلامية
Halaman tidak diketahui
تعليقٌ لطيفٌ على آخر حديث في رياض الصالحين
1 / 2
حُقوُق الطبع محفُوظة
الطبعة الأولى
١٤٢٠ هـ - ١٩٩٩ م
دار البشائر الإسلامية للطباعة والنشر والتوزيع
هاتف: ٧٠٢٨٥٧ - فاكس: ٧٠٤٩٦٣/ ٠٠٩٦١١
بيروت - لبنان ص ب: ٥٩٥٥/ ١٤
e - mail: [email protected]
1 / 3
بسم الله الرحمن الرحيم
1 / 4
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمد لله وليّ الصالحين، وصلَّى الله على نبيّه محمَّد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فإن مكانة كتاب "رياض الصالحين" معلومة ومشهورة عند عامَّة النَّاس وخاصَّتِهم، والكلام في الثناء عليه وما نفع الله به يُعتبر من تكرار القول، وقد أشار مؤلفه الإِمام النَّووي رحمه الله تعالى إلى الباعث على تأليفه، وأنه من باب التعاون على البِرِّ والتَّقوى، والدلالة على الخير طمعًا منه ﵀ في أن ينال مثل أجر فاعله؛ وقد تحقق له مقصوده إن شاء الله، فهو زاد للمسافر والمقيم مشتملًا على ما ينبغي التخلُّق به من الأخلاق، والتمسُّك به من الأقوال والأفعال مغترفًا له من عُباب الكتاب والسنَّة النبوية، ناقلًا لتلك الجواهر من معادنها السَّنية (١).
ولأجل هذا اعتنى به العلماء شرحًا واختصارًا وانتقاءً وتدريسًا.
_________
(١) انظر: "دليل الصالحين لطرق رياض الصالحين" لابن علان (١/ ١٤).
1 / 5
وقد قرأ هذا الكتاب ودرَّسه العلامة الفقيه الشيخ قاسم بن صالح بن أبي بكر الحلاق الشهير بالقاسمي الدمشقي، جدّ العلامة جمال الدِّين القاسمي.
ولما انتهى من تدريسه وأراد أن يختم هذا الكتاب حضر ختمه له صدورًا من علماء دمشق وعلى رأسهم شيخه المُحَدِّث عبد الرحمن الكُزْبري، حيث شرح آخر حديث فيه في ذكر الجنة ورؤية المؤمنين لربهم، ذاكرًا فيه أنَّ أعظم كرامة للمؤمنين في الجنة هي رؤية خالقهم جلَّ وعلا، وقد جعل شرح هذا الحديث في هذه الرسالة اللطيفة التي بين يديك.
وصف النسخة المعتمدة في إخراج هذه الرسالة:
اعتمدتُ في إخراج هذه الرسالة على نسخة بخط المؤلف الشيخ قاسم وهي محفوظة في المكتبة القاسمية بدمشق لدى حفيد الشيخ جمال الدِّين القاسمي الأستاذ المفضال محمَّد سعيد القاسمي حفظه الله، وتقع في ست ورقات، وعدد الأسطر فيها (٣٠) سطرًا، ولم يذكر سنة النسخ؛ إلَّا أنَّ حفيده الشيخ جمال الدِّين قد كتب على طرقه أن ختم جده لرياض الصالحين كان سنة (١٢٥٦ هـ).
هذا وقد قمتُ بالتعليق على هذه الرسالة مع مراعاة الاختصار والإِيجاز في التعليق، سائلًا المولى ﷿ السداد في الأقوال والأفعال، إنه وليّ ذلك والقادر عليه، والحمدُ لله رب العالمين.
1 / 6
ترجمة المصنف
يقول ابنه الشيخ الأديب محمَّد سعيد القاسمي - والد العلَّامة جمال الدِّين القاسمي -:
"هو بَرَكَةُ الشَّامِ، العَالِمُ العَامِلُ والأستاذ الفقيه الكامل، الوَرِع الصَّالح، المُرْشد النَّاصح، الشيخ قاسم بن صالح بن إِسماعيل بن أبي بكر الشهير بالحلَّاق، الدِّمشقي.
كان ﵁ عالمًا فقيهًا مُحدِّثًا، وَرِعًا صالحًا، عفيفًا زاهدًا، لطيف المُحاضرة، جميل المُذاكرة، غزير الحكايات العجيبة، والنَّوادر الغريبة، مع الصِّدْقِ والأمانة والاحتشام، والتمسك بالسنَّة المُطهرة بأوثق زمام، حسن الخَلْق والخُلُق، لَيِّنَ الجانب، بارًّا بأهله وأرحامه، وكان شيوخه يثنون عليه خيرًا، ويُحبونه، ويصلونه بأنواع البِرِّ ويُواصلونه، وإِذا تأخر لِعُذْرٍ تفقدوه، وإن أتاهم احتفلوا به وأجلوه.
وُلِدَ رحمه الله تعالى سنة ألف ومائتين وإحدى وعشرين (١٢٢١ هـ)، ونشأ في حِجْر والده حتى شبَّ، وتعلَّم القرآن.
1 / 7
ثُمَّ قال: "وأخذ طرفًا من العلوم العقلية عن عُمدة علماء الدِّيار الشَّامية أبي حنيفة زمانه، وسيبويه وقته وأوانه الأُستاذ الشيخ سعيد أفندي الحلبي فقرأ عليه جُملًا من فن المعقول، وشيئًا من الآداب والأُصول، ولاحت عليه علامة النَّجابة والقبول، وكان محبوبًا عنده، ومُقدَّمًا ومحترمًا لديه ومُكرَّمًا ...
وأخذ الحديث وغيره عن خاتمة المُحَدِّثين، وبقية السَّلفِ الصَّالحين، علم الأعلام، وشيخ الشيوخ في الشَّام العلَّامة الأُستاذ عبد الرحمن الكُزْبري، فإنه أخذ عنه "صحيح البخاري ومسلم" رواية ودرايةً، وبقية الكتب الستة رواية، وحضر عليه كثيرًا من كتب الفقه وغيرها من العلوم كالتوحيد، والتفسير، ولازمه ملازمة فطِنٍ نحرير، وأجازهُ بجميع ما تجوز له روايته وتصح عنه درايته، وكتب له بخطِّهِ إِجازةً بديعةً حاويةً ... ".
ثُمَّ ذكر أنه رحل إِلى الحَجِّ واجتمع ببعض علماء الحرمين، ومنهم: الشيخ يوسف المالكي الصَّاوي المدرس بالمسجد النَّبوي، وقد كتب له الإِجازة بخطه وختمها بختمه.
ورحل إِلى مصر القاهرة مرَّات، واجتمع ببعض أعيان علمائها الثِّقات، من أجلّهم: الشيخ الإِمام ذو التآليف العديدة، والتصانيف المُفيدة، رئيس علماء الأزهر الأستاذ الباجوري إبراهيم، فإنه اجتمع به. وأثنى على فضله وأدبه، وكتب له عام (١٢٧٠ هـ) إِجازةً بها يتغالى. ومنهم: الفاضل النّحرير، والعلَّامة الكبير الشيخ مصطفى
1 / 8
المُبلِّط؛ فإنه اجتمع به وأجازهُ إِجازةً بخطه تحت إِجازة الشيخ الباجوري ... " (١).
وقال حفيده الشيخ جمال الدِّين القاسمي: "ولزم مُحَدِّثَ عصره الشيخ عبد الرحمن الكُزبري، وكان من أخص تلامذته وأحبائه، وكان له أجلَّ سمير في كل رحلة ومسير، وكان ينوه بفضله وصلاحه، وينشر ألوية نبله ونجاحه، حتى إنه مرة قرأ في جامع السِّيبائية "رياض الصالحين" فقال له شيخه المذكور: أخبرني ليلة ختم الكتاب لأحضره مع بعض المحبين وليكن ختمك له في جامع السِّنانية لا في جامع السيبائية، ثمَّ ذكر لشيخه ليلة الختام فدعا له ﵀ سائر علماء الشَّام، وصار محفلًا لم تسمح بنظيره الأيام، وقال له: أردت التنويه بفضيلتك، وإعلاء مزيَّتك".
مؤلفاته:
يقول ابنه الشيخ محمَّد سعيد القاسمي: "له تآليف مفيدة، وأشعار حميدة".
ويقول حفيده الشيخ جمال الدِّين القاسمي: "وله مؤلفات كثيرة، منها:
* "إِعانة النَّاسِكِ على أَداءِ المَناسك".
_________
(١) "الثغر الباسم بترجمة الشيخ قاسم" لابنه محمَّد سعيد القاسمي (ص ٣ - ١٠ - نسخة المكتبة القاسمية).
1 / 9
ومنها:
* "التَّوسلات الحُسنى بنظم أسماء الله الحُسنى"، مشتملة على أوراد بهية وأدعية إلهامية، نَظَمَ فرائدها في ثلاثة عقود، وقد سافر مرة بعض تلامذة سيدي الجَدِّ إِلى مصر، وكان معه نسخة منها، فوقعت بيد أحد علمائِها، وأعيان فضلائِها الشيخ أحمد الفيشي أبو مصلح؛ فأحبَّ شرحها، وشرع به حتى أكمله في نحو ثلاثين كراسة وسماه: "أنوار الكائِنات بما له تعالى من الأسماء والصفات".
ومن مؤلفاته:
* رسالة "فيمن حَجَّ البيت الحرام ومات، وعليه ذنوب صغائر وكبائر وتبعات".
* ورسالة في "شرح آخر حديث من رياض الصالحين".
* ومولدٌ سماه: "مورد النَّاهل بمولد النَّبيِّ الكامل".
* وتضمين البُرْدة سماه: "الدُّرَّة الزاهرة بتضمين البُرْدة الفاخرة"، وقد طبع في مطبعة سورية مع بعض قصائد نبوية سنة (١٢٨٤ هـ).
* وله "تشطير لامية ابن الوردي".
* و"نظم الأجرومية"، بيد أنهما لم يتما.
وله غير ذلك من التحارير المُفيدة والفوائد الحميدة (١).
_________
(١) "الثغر الباسم" (ص ١٦)، و"تعطير المشام" لحفيده جمال الدِّين (١/ ٤٦٠).
1 / 10
وفاته:
يقول ابنه الشيخ محمَّد سعيد القاسمي: "وكان انتقاله ليلة الثلاثاء سلخ شهر شعبان سنة ألف ومائتين وأربع وثمانين، وقد أَسِفَ لوفاته أهل الشَّام الخاصُّ والعامُّ، وخرجت جنازته بمشهدٍ حافلٍ كبير، وصُلِّي عليه في السِّنانية ... ".
وقال حفيده الشيخ جمال الدِّين: "ولم يزل على طريقته الحسنة، وحالته المُستحسنة، مُشْرِقًا في مطالعه السَّنية، حتى ألمَّ بسنا عمره سِرارُ المنية، وذلك ليلة الثلاثاء ٢٨ شعبان عام (١٢٨٤ هـ)، وصُلِّي عليه في جامع السِّنانية، ودُفِنَ في مقبرة البَابِ الصغير ﵀".
* * *
ولمزيد معرفة ترجمته كاملة وتلاميذه وصفاته وإجازاته انظر: "آل القاسمي ونبوغهم في العلم والتحصيل"، لراقمه (ص ٢٥ - ٤٤).
1 / 11
قال الشيخ جمال الدِّين القاسمي، حفيد المؤلف، على طُرَّة غلاف هذه الرِّسالة:
"أقول: لمَّا ختم سيِّدي الجد قراءة "رياض الصالحين" في جامع السِّنانية، شرّفَ ختم المجلس مُسْنِدُ الشَّام في عصره الشيخ عبد الرحمن بن الشمس محمَّد الكُزْبري، ومن في طبقته من مشايخ الجَدِّ وأقرانه، وكان الجمع متوافرًا، وغصَّ الجامع بمن فيه، وانصرف الجميع شاكرين حضرة الجد الأمجد، كما حدثني بذلك أحد تلامذته. عمَّه المولى برضوانه ومغفرته، وذلك سنة ١٢٥٦ هـ. كتبه حفيده جمال الدِّين بن محمَّد سعيد بن قاسم القاسمي، عُفِيَ عنه".
1 / 13
الورقة الأخيرة: من صورة المخطوطة بخط مصنفها
1 / 14
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وصلَّى الله على سيِّدنا محمَّد خاتم المرسلين وسلَّم تسليمًا.
أمَّا بعدُ:
فهذا تعليق على آخر حديث في رياض الصالحين، وبالله الاستعانة في كل وقت وحين.
قال الإِمام أبو زكريا محيي الدِّين يحيى النووي ﵁ وأرضاه: (وعن أبي يحيى صهيب بن سنان) ابن مالك بن عبد عمرو بن عُقيل بن عامر بن جَنْدلة بن سعد بن جذيمة بن كعب بن سعد بن أسلم بن أوس بن مناة بن النمر بن قاسط النمري.
قال ابن سعد: وكان أبوه وعمه على الأُبلة من جهة كسرى، وكانت منازلهم على دجلة من جهة الموصل. اهـ.
وأمه من بني مالك بن عمرو بن تميم، وهو الرومي، قيل له ذلك لأنَّ الروم سبَوه صغيرًا، فنشأ بالروم فصار لسانه ألكن، ثُمَّ اشتراه رجل من كلب فباعه بمكة فاشتراه عبد الله بن جُدْعان التيمي فأعتقه، ويقال: بل هرب من الروم فقدم مكة فحالف ابن جدعان.
1 / 15
وروى ابن سعد أنَّه أسلم هو وعمار، ورسول الله ﷺ في دار الأَرْقم.
ونقل الوزير أبو القاسم المغربي أنَّه كان اسمه عميرة فسماه الروم صهيبًا.
وقال: وكانت أخته أميمة تَنْشُده في المواسم، وكذلك عمَّاه: لبيد وزحر، ابنا مالك.
ونقل البغوي أنَّه كان أحمر، شديد الصهوبة تشوبها حُمرة، وكان كثير شعر الرأس يخضب بالحناء، وكان من المستضعفين ممن يُعذَّبُ في الله، وهاجر إلى المدينة مع علي بن أبي طالب في آخر من هاجر في تلك السنة، فقدما في نصف ربيع الأول وشهدا بدرًا والمشاهد بعدها مع رسول الله ﷺ.
وروى ابن عدي عن صُهيب قال: صحبت رسول الله ﷺ قبل أن يُبْعث. ويقال: إنه لما هاجر تبعه نفرٌ من المشركين، فقال: يا معشر قريش، إني من أرماكم ولا تصلون إليَّ حتَّى أرميكم بكل سهم معي، ثُمَّ أضربكم بسيفي؛ فإن كنتم تريدون مالي دللتكم عليه، فرضوا، فعاهدهم ودلَّهم فرجعوا فأخذوا ماله، فلما جاء إلى النَّبيِّ ﷺ قال له: "رَبِحَ البَيْع"، فأنزل الله ﷿: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ﴾ [البقرة: ٢٠٧] (١).
_________
(١) أخرجه الحاكم (٣/ ٣٩٨)، وابن سعد في الطبقات (٣/ ١٦٢، ١٦٣)، وهو بمجموع ما له من طرق قوي.
1 / 16
وروى ابن عدي من حديث أبي أمامة عن رسول الله ﷺ: "السُّبَّاقُ أَرْبَعَةٌ: أنا سابِقُ العربِ، وصُهَيْبٌ سابقُ الرُّوم، وبلالٌ سابقُ الحَبَشَةِ، وسلمان سابِقُ الفُرْسِ" (١).
وروى ابن عيينة في "تفسيره": أول من أظهر إسلامه سبعة وذكره فيهم.
وروى ابن سعد قال: كان عمار بن ياسر يُعَذَّب حتى لا يدري ما يقول، وكذا صهيب، وأبو فائد، وعامر بن فُهيرة وقوم، وفيهم نزلت هذه الآية: ﴿ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا﴾ [النحل: ١١٠].
وروى البغوي من طريق زيد بن أسلم عن أبيه: خرجت مع عمر حتَّى دخل على صهيب بالعالية، فلما رآه صهيب، قال: يا ناس، يا ناس، فقال عمر: ما له يدعوا الناس! قلت: إنما يدعو غلامه يحنس. فقال له: ياصهيب، ما فيك شيء أعيبه إلَّا ثلاث خصال: أراك تنتسب عربيًّا ولسانك أعجمي، وتكتني باسم نبي، وتبذر مالك!. قال: أما تبذيري مالي فما أنفقه إلَّا في حقٍّ، وأما كنيتي فكنَّانيها النَّبِيُّ ﷺ، وأما انتمائي إلى العرب فإن الرُّوم سَبَتْني صغيرًا، فأخذت لسانهم (٢).
_________
(١) أخرجه الطبراني في "الكبير" (٧٥٢٦)، وابن عدي في "الكامل" (٢/ ٥٠٧)، وإسناده ضعيف؛ فيه بقية بن الوليد.
(٢) أخرجه أحمد (٤/ ٣٣٣، ٦/ ١٦)، والطبراني في الكبير (٧٢٩٧)، وإسناده حسن.
1 / 17
ولما مات عمر ﵁ أوصى أن يصلي عليه صهيب، وأن يصلي بالنَّاس إلى أن يجتمع المسلمون على إمام. رواه البخاري في "تاريخه".
وروى الحميدي والطبراني من حديث صُهيب قال: لم يشهد رسول الله ﷺ مشهدًا قط إلَّا كُنْتُ حاضره، ولم يبايع بيعة قط إلَّا كنْتُ حاضرها، ولم يسر سريَّة قط إلَّا كُنْتُ حاضرها، ولا غَزا غزوةً قط إلَّا كنت فيها عن يمينه أو شماله، وما خافوا أمامهم قط إلَّا كنتُ أمامهم، ولا ما وراءهم إلَّا كنت وراءهم، وما جعلت رسول الله ﷺ بيني وبين العدو قط حتى توفي (١).
ومات صهيب ﵁ سنة ثمان وثلاثين، وقيل: سنة تسع.
روى عنه أولاده: حبيب، وحمزة، وصالح، وسعد، وصَيْفي، وعباد، وعثمان، ومحمد، وحفيده زياد بن صَيْفي.
وروى عنه أيضًا جابر الصَّحابي، وسعيد بن المسيب، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وآخرون.
قال الواقدي: حدثني أبو حذيفة، رجل من ولد صهيب عن أبيه، عن جده قال: مات صهيب ﵁ في شوال سنة ثمان
_________
(١) أخرجه الطبراني في "الكبير" (٧٣٠٩) وإسناده ضعيف جدًّا، فيه محمَّد بن الحسن بن زبالة، متروك، ولم أجده في المطبوع من "مسند الحميدي".
1 / 18
وثلاثين وهو ابن سبعين. انتهى، من "الإِصابة" للحافظ ابن حجر مع بعض اختصار (١).
(أن رسول الله ﷺ قال: "إذا أُدخِل"). بالبناء لما لم يسمّ فاعله للعلم به وهو الله تعالى، أي: إذا أدخل الله ... إلخ.
أي: أذن لهم بالدخول وأمرهم به تَفَضُّلًا منه وإكرامًا وبِرًّا؛ لأن الدخول نفسه بمحض فضل الله ورحمته بشرط الإِيمان.
وأما تفاوتهم في المنازل والمراتب فبحسب أعمالهم: فمن كانت أعماله مستوفية للشروط والأركان، والآداب والمكملات، مع الاحتياط والورع والإِخلاص والخشوع والصدق مع الله تعالى خالصة من الشوائب القاطعة كالرياء والعُجْبِ فقد فاز بها بالمنازل العلية الشامخة، والمراتب اللينة الراسخة.
ومن أخلَّ بشيء مِمَّا ذُكرَ فهو دون من استوفاها في المنزلة والرتبة.
هذا ما عليه أهل السُّنَّة، خلافًا للمعتزلة، فإنهم قالوا: إنَّ استحقاق الثواب إنما هو لذات الإِيمان والعمل الصالح. وليس كذلك، بل لا يستحق العبد على الله تعالى شيئًا، وإن أتى بمثل أعمال الخلق كلهم، وإنما ذلك بجعل الشارع ومقتضى وعده
_________
(١) (٣/ ٤٥١، ٤٥٢ - ط البجاوي).
1 / 19
الصِّدق حيث وعد الشَّاكرين لما منحوا من النَّعم السَّابقة أن يزيد لهم في الآخرة من المثوبات ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب أحد بمحض فضله وإحسانه كما قال ﴿لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ﴾ [إبراهيم: ٧].
(أهلُ) بالرفع نائب الفاعل، أي: أصحاب.
(الجنَّةِ) بالخفض لإِضافته.
(الجنَّةَ) وهي المرة من الجَن، وهو مصدر جَنَّه إذا ستره، سمي به الشجر المظلل لالتفاف أغصانه، للمبالغة، كأنه يستر ما تحته. ثُمّ البُستان؛ لما فيه من الأشجار المتكافة المُظلَّلة. ثُمَّ دارُ الثواب ومقر الأحباب؛ لما فيها من الجِنان.
فيا لها من دار فسيحة الأديم والغِناء، طيبة النسيم والهواء، لا يفنى شبابها؛ ولا تبلى ثيابها، ينقطع نعيمها، ولا يمل مقيمها، أول زمرة يدخلونها على صورة البدر ليلة تمِّه وكماله، ثمَّ الذين يلونهم على صورة أشد كوكب درِّيّ في السَّماء إضاءة، وهكذا على منواله، فهم في الغرفات آمنون، وفي الفردوس خالدون، وعلى الأرائك ينظرون، وعندهم قاصرات الطرف عِينٌ كأنَّهنَّ بيضٌ مكنون، بين أيديهم الغلمان والحور والغرف والقصور يأكلون ويشربون، كلوا واشربوا هنيئًا بما كنتم تعملون، "لا يبولون ولا يتغوَّطون، ولا يمتخطون ولا يبصقون. رَشْحُ أبدانهم المسك، آنيتهم الذهب والفضة، وثيابهم السُّندس والإستبرق، وحليهم
1 / 20
الذهب واللؤلؤ" (١).
و"إن أدنى أهل الجنةِ درجةً لمن يقوم على رأسه عشرة آلاف خادم بيد كل واحد صحفتان: واحدة من ذهبٍ، والأُخرى من فضَّةٍ" (٢).
و"إنَّ أدنى أهل الجنَّةَ منزلًا من له من الحور العين سبعون سوى أزواجه في الدنيا، لكل واحدة منهن سبعون حُلَّة لا يُشْبه لونُ حلَّة لونَ أُخرى، ولا يحجب لون حلَّة ولا جرمها لون ما تحتيها، وكلها لا تمنع لون بشرتها، وكل ذلك لا يمنع لون عظم ساقها، وكل ذلك لا يمنع لون مخّ ساقيها" (٣). وعند الترمذي: "ليرى بياض ساقها من وراء سبعين حُلَّة حتى يرى مخه" (٤)، زاد أحمد: "ينظر في وجهها خدّها أصفى من المرآة" (٥).
و"إنَّ للمُؤْمن في الجنَّةَ لخيمة من لؤلؤة واحدة مُجَوَّفَةٍ طُولُها
_________
(١) أخرجه بنحوه مسلم (٢٨٣٥) من حديث جابر ﵁.
(٢) أخرجه الطبراني في "الأوسط" كما في "مجمع البحرين" (٤٩٠٨) من حديث أنس، وإسناده ضعيف؛ فيه الحسن بن كثير ضعيف.
(٣) أخرجه ابن أبي الدنيا. وقال الحافظ المنذري في "الترغيب" (٤/ ٤٠٦): "وفي إسناده من لا أعرفه الآن".
(٤) أخرجه الترمذي (٢٥٣٣)، وإسناده ضعيف؛ لاختلاط عطاء بن السائب.
(٥) أخرجه أحمد (٣/ ٢٧٥)، وإسناده ضعيف؛ فيه دراج، ضعيف الحديث عن أبي السمح، كما أنَّ فيه عبد الله بن لَهِيعة.
1 / 21