إلهام إذن في نظر أمه أقل من البنات، وأقل أيضا من النساء اللائي بلا أطفال، إنها أقل في نظرها من أن تتزوج ابنها الشاب الناجح الوسيم الذي لم يتزوج أبدا، وتغازله كل بنات الجيران!
وابتسم مصطفى لنفسه، كل أم تظن أن ابنها لم تنجبه امرأة من قبل، والحقيقة قد تكون عكس ذلك؛ لأن مصطفى لم يظن في نفسه يوما أنه ناجح أو وسيم أو مستقيم، لقد تخرج معه في الجامعة آلاف مثله، وسبقه في الترتيب آلاف، وسبقه في الوظيفة آلاف، وهو ليس وسيما كما تقول أمه لأنه يرى وجهه في المرآة طويلا نحيفا، وأنفه كبيرا جدا، والدنيا فيها ملايين من الرجال أكثر منه وسامة ورشاقة، وهو ليس مستقيما كما تؤمن أمه لأنه تمرن على الزواج، وتزوج مئات المرات بلا عقود!
لكنه الليلة، ليلة زواجه الرسمي المسجل في دفتر مأذون الحي، يخيل إليه أن كلام أمه صحيح، وأنه لم يقرب النساء!
هل لأنه يحبها؟ لقد أحبها منذ عشرة أعوام حينما رآها لأول مرة ذات ليلة تمشي مشيتها الخالية من التكلف والرشاقة! تلبس ملابسها التي تشبه ملابس الرجال وتقص شعرها مثل الطلبة، وتبتسم دائما كأنما خلقت شفتاها للابتسام، والغمازتان في خديها تظهران بسرعة وتختفيان بسرعة، وعيناها بنظرتهما اللامعة كأنما تضحكان من فرط السعادة.
أحبها في كل وقت، وكل ظرف، حتى حينما خطبت كان يحبها، وحينما تزوجت كان يحبها، وحينما طلقت كان يحبها، ظل يحبها من قريب ومن بعيد، وهي تكاد لا تعرفه، وكل ما تذكره أنه كان يوما زميلا لها بالكلية، إلهام التي أحبها كل هذا الحب تجلس بجواره الآن لا يفصلها عنه سوى عرض ذلك السرير! ما أغباه أن يضيع كل هذا الوقت بعيدا عنها، ألم يكفه ما ضاع من أعوام وأيام؟
ووقف على قدميه، وتحرك نحوها في خطوات بطيئة يحاول ألا تلتقي عيناه بعينيها، واقترب منها، وجلس إلى جوارها على طرف السرير، ومد يده على رأسها يتحسس شعرها الأسود الناعم، وانتقلت يده من شعرها إلى جبهتها، إلى خديها، إلى ذقنها، ورفع وجهها إليه ليرى عينيها، وأحس بقوة جارفة تجتاح كيانه حينما رأى لأول مرة جفنيها مسدلين على عينيها تخفيانهما تماما. •••
وفي الصباح فتح مصطفى عينيه وهو يتمطى ويتثاءب كأنه يفيق من حلم سعيد، ونظر حوله في دهشة، كانت الشمس تدخل من النافذة، وكل ما في الحجرة يتألق بضوء مشرق جميل، ونظر إلى جواره فرأى «إلهام» نائمة، ومد يده بسرعة ولمس يدها ليتأكد أنها هي بلحمها ودمها، وأن ليلة أمس لم تكن حلما، وإنما كانت واقعا حيا يعيش فيه.
وتثاءب وتمطى في سعادة ولذة، آه، كم هي رائعة، هذا ما أحسه نحوها منذ رآها لأول مرة، حتى في أشد ملابسها شبها بالرجال، وفي أشد مواقفها الجدية التي تماثل جد الرجال كان يحس أنها امرأة، امرأة تفيض بالأنوثة.
ووضع يده على جبهته وانقبضت ملامح وجهه، تذكر زوجها الأول، الرجل الذي قالوا إنها أحبته، ماذا فعل معها؟ وماذا فعلت معه؟ وقد عاشت معه عشرين شهرا لم تنقص ليلة واحدة.
وجلس في السرير وهو يمسك جبهته بيديه، ألم يقل إنه لا يغار وإن ما مضى قد انتهى؟ ما باله الآن يكاد يجن كلما تصور أنها أخذته الليلة الماضية بين أحضانها الدافئة الحانية كما فعلت مع زوجها السابق، أجل فعلت ذلك عشرين شهرا لم تنقص ليلة واحدة؟ وأنجبت، آه، أنجبت هذا الطفل.
Halaman tidak diketahui