Mari Bersama Saya ke Pakistan
تعال معي إلى باكستان
Genre-genre
ولا أزال أذكر جيدا ما حدث في أول اجتماع عقدته اللجنة التنفيذية للحزب في اليوم التالي، فلقد كان أحد أعضاء الحزب البارزين في البنغال يتحدث مؤيدا وجهة نظرنا ولكنه لم يكد يستمع إلى الأسباب التي قدمها جناح من كرسي الرئاسة لمعارضة هذا الرأي حتى عاد العضو المذكور إلى مقعده دون أن يتم حديثه وقد أصبح من أكبر مؤيدي جناح، وترسم عدد آخر من الأعضاء خطى هذا العضو فأعرب بعضهم عن تأييده لجناح بإلقاء الخطب، كما اكتفى البعض الآخر بالإعراب عن هذا التأييد بالصمت.
وقبل أن يجري التصويت على القرار لم يكن قد شذ عن الإجماع سوى ثلاثة أعضاء اتفقوا فيما بينهم على الامتناع عن التصويت، كما اتفقوا مع القائد الأعظم على تقديم استقالاتهم إذا لم تسر الأمور على ما يرام في خلال ثلاثة أشهر بموجب اقتراح الرئيس، وكنت أنا أحد هؤلاء الثلاثة. قال لنا القائد الأعظم يومذاك: امنحوني فرصة ثلاثة أشهر، فإذا لم أتمكن من إثبات صحة وجهة نظري استقلت أنا من رئاسة الحزب.
ورفض أحد الأعضاء الامتناع عن التصويت وأدلى بصوته ضد القرار بعد أن فشلت جميع الجهود التي بذلت لإقناعه باتخاذ موقف حياد على الأقل. وانفضت اللجنة فقررت أنا وصديق لي تأجيل رحيلنا عن بومباي بضعة أيام، وفي هذه الأثناء كنا نجتمع بجناح أكثر من مرة في اليوم لنصارحه بعدم اقتناعنا بصواب القرار الذي اتخذته اللجنة التنفيذية للحزب، ولكن القائد الأعظم واصل محاولاته لإقناعنا بوجهة نظره.
وفي صبيحة أحد أيام الآحاد اطلعنا على مقالين؛ أحدهما مقال كان قد نشره غاندي في صحيفة «هاريجان»، والآخر مقال نشرته صحيفة «بومباي كرونيكل» للبندت نهرو في نفس اليوم، وكان المقالان قد ظهرا في الليلة السابقة لاعتقال زعماء حزب المؤتمر، وقد أثبت لنا المقالان أن موقف الهندوس أو حزب المؤتمر من المسلمين لم يتغير، وأنه لا يزال من رأيهم أن يظل المسلمون أقلية تتمتع بالحقوق التي تتمتع بها غيرها من الأقليات في «الهند الديمقراطية».
وفي صبيحة يوم الأحد المذكور غيرنا رأينا، وآمنا بوجهة نظر القائد الأعظم، وتركناه بعد أن أكدنا له أننا سنعمل بعد عودتنا إلى أقاليمنا على بذل كل جهد في استطاعتنا لنثبت للشعب الذي كان يؤمن بالفكرة التي كنا نؤمن بها قبل حضور هذا المؤتمر؛ أنه كان على خطأ كما كنا، وأن القرار الذي اتخذه حزب الرابطة الإسلامية، والذي لم يكن سوى قرار القائد الأعظم نفسه، هو القرار الصائب الوحيد.
ولما عدنا إلى أقاليمنا لم تعوزنا الدلائل التي كنا نستخلصها مما يجري حولنا من أحداث لإثبات صحة هذا القرار الذي اتخذ برأي القائد الأعظم وحده، إذ لو لم يرشدنا القائد الأعظم إلى تجاهل المحاولات التي كان يبذلها حزب المؤتمر واغتنام كل فرصة ممكنة لتنظيم وبناء حزب الرابطة الإسلامية؛ لابتلى المسلمون بنكسة ولمضت عليهم سنوات طويلة قبل أن يفيقوا منها، ولما تمكن حزب الرابطة الإسلامية من أن يتمتع بالقوة التي نمتع بها بين ذلك التاريخ وعام 1946، ولما أصبح هذا الحزب السياسي المسئول الوحيد الذي ينطق بلسان جميع المسلمين في شبه القارة الهندية.
وقد استقبل كثيرون دعوة جناح لقسمة الهند واستقلال مسلميها في دولة منفصلة ذات حدود بكثير من الشك والارتياب وخاصة هنا في مصر التي كانت تنادي منذ قامت حركتها الوطنية الأخيرة في عام 1919 بالوحدة مع السودان ... فقد تشكك المصريون في دعوة جناح إلى قسمة شبه القارة بين الهندوس والمسلمين، ورأوا فيها محاولة لإضعاف تلك الدولة الكبيرة وهدما لوحدتها، ولم يكن من اليسير على المصريين أن يفهموا إذ ذاك حقيقة الأسباب التي أدت بجناح إلى الدعوة لتأسيس باكستان.
ولكن جناح لم يكن بدعوته يطلب شهرة أو مجدا فقد عاش طول حياته أبعد ما يكون عن السعي إلى الشهرة، كما أنه لم يكن يسعى إلى هدم الوحدة القائمة بين سكان شبه قارة الهند، وإنما بدأ بدعوته بعد أن آمن بها إيمانا وتيقن أنها الوسيلة الوحيدة للسلام في ذلك الجزء من العالم ولإنصاف المظلومين والنهوض بالمتخلفين من أبناء دينه.
لم يتحرك القائد الأعظم للفكرة عفوا ولا بوحي من أحد، بل إنه آمن بها بعد أن عالج الحياة العامة سنوات طويلة حاول في أثنائها التوفيق بين الحزبين المتنافرين وبذل كل ما يمكن أن يبذل ليحقق لمسلمي الهند حريتهم، فلما ثبت له أن سياسة التوفيق لا يمكن أن تؤدي إلى نتيجة لم يجد بدا من الدعوة إلى الفصل بين الهندوس والمسلمين ليزول ما بينهم من دواعي الاحتكاك الذي كاد يبلغ الحرب الأهلية.
وقد روى الدكتور محمد حسين هيكل تفصيل حديث جرى بينه وبين محمد علي جناح بالقاهرة من عشر سنوات أو نحوها، فقد مر - رحمة الله عليه - بهذه العاصمة في ذهابه إلى لندن أو عودته منها إلى الهند، واجتمع به الدكتور هيكل مع لفيف من الإخوان، فأخذ يحدثهم في نظريته عن الباكستان وإنشائها. ويقول الدكتور هيكل وهو يروي نبأ هذه المقابلة:
Halaman tidak diketahui