Tabyidh al-Sahifa bi Usul al-Ahadith al-Da'ifa
تبييض الصحيفة بأصول الأحاديث الضعيفة
Penerbit
مكتبة التوعية الإسلامية لإحياء التراث الإسلامي
Nombor Edisi
الأولى
Tahun Penerbitan
١٤١٠ هـ
Lokasi Penerbit
القاهرة - جمهورية مصر العربية
Genre-genre
تبييض الصحيفة بأصول الأحاديث الضعيفة
تأليف
محمد عمرو عبد اللطيف
[القسم الأول: من ١ إلى ٥٠]
مكتبة التوعية الإسلامية
Halaman tidak diketahui
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة الناشر
إن الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ﴿مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ﴾ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
وبعد،،،
فهذا كتاب "تبيض الصحيفة بأصول الأحاديث الضعيفة" للأخ الشيخ - محمد عمرو عبد اللطيف - والذي تفضل - جزاه الله خيرا - بإسناد نشره إلينا. ننشره في مكتبتنا "التوعية الإِسلامية" سائلين الله ﷿ أن يجعلنا جميعا ممن يدفعون عن الدين صنع الوضاعين، وانتحال المفترين، وتأويل المنحرفين، حتي تشرق شموس صحاح الأخبار، وتنبعث أشعة الحق في جميع الأقطار، فيعم الخير الَّذي ننشده، ويزهق الباطل الَّذي نأباه ونرفضه.
آملين من العلماء وطلاب العلم والحق اعلامنا بما يبدو لهم - مما يعتري البشر - من الهنّات والزلات أو ما يرونه من الفوائد والتعليقات والإِرشادات - ونعدهم بارفاق ما يرسل منهم من الخير ضمن طبعات الكتاب القادمة، حتَّى يكون التعاون المنشود بعيدا عن اتباع الأهواء، وتحكيم الآراء.
وسننشر الكتاب بعون الله تعالي تباعا كلما أُنجر جزءٌ، نشرناه.
ونسأل الله بأسمائه الحسني وصفاته العلي أن يثبتنا علي الحق بالحق وللحق.
الصابر بالله بن صابر البناوي الأثري
عماد بن صابر المرسي
1 / 2
مقدمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا. من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادى له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾.
﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾.
﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا. يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ. وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾.
أما بعد، فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وأحسن الهدى هدى محمد ﵌، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
فإن تصانيف أهل العلم في الأحاديث الضعيفة أو الواهيات أو الموضوعة، أو المشهورة على الألسنة - على عمومها - كثيرة ومتعددة
1 / 3
المناهج، فمنها المطول والمختصر، ومنها ما يحرص صاحبه على سوق الأسانيد، ومن يحرص على حذفها. ومنها ما يتعرض صاحبه لأصل حديث ما لم يثبت، ويرده إلى قائله الَّذي ثبت عنه هذا الكلام موقوفًا عليه. أو آخر جعل جُلَّ همه أن يضعف نسبة الحديث المرفوع إلى النبي ﵌ دون اهتمام برده إلى أصله بل منها من ينسب صاحبه الحديث إلى صحابي أو تابعي دون كان مدى ثبوته عنه، وهو لا يثبت. أو يكون ثابتا عن صحابي أو تابعي آخر ولم يقع لى تصنيف يلتزم بالغرض المتقدم ذكره سوى كتاب واحد، وهو: [الوقوف على الموقوف] للإِمام أبى حفص عمر بن بدر الموصلى ﵀ (ت ٦٢٤). لكنه لم يستوعب فيه كل الأحاديث غير الثابتة التي لها أصل موقوف، ولاجُلها، إذ غاية ما فيه واحد وخمسون ومائة (١٥١) حديثًا فقط. ومع ذلك فقد سلك فيه مسلك الاختصار الشديد، إذ لم يُطِل ببيان الحديث الأصلى ولا أصله تخريجًا وجرحا وتعديلا، بل يكتفى بقوله - على سبيل المثال -: (قال ابن الجوزى: هذا حديث باطل عن النبي ﵌: إنما يروى هذا عن سفيان ...) أو (قال الدارقطني: روى عن أبى الدرداء موقوفًا، وهو المحفوظ) (*). ولا شك أن هذا المنهج لا يقنع طالب الحديث المولع بالنظر في الطرق والأسانيد، ولا يشبع نهمته، ولا يروى غليله، ولا يعطيه الأمثلة العملية لفن التخرج والرجال والعلل. ولولا ما في حاشية الكتاب من الفوائد والتعليقات - جزى الله ساطرها - لكاد يكون عديم الجدوى
_________
(*) يعنى حديث "إنما العلم بالتعلم؛ وإنما الحلم بالتحلم" والرواية الموقوفة من طريق رجاء ابن حيوة عن أبي الدرداء. وهذا إسناد منقطع، وإنما ثبت عن ابن مسعود موقوفًا: "إن أحدًا لا يولد عالمًا، وإنما العلم بالتعلم". وهذا المثال يثبت ما قدمت في أول الكلام.
1 / 4
في معرفة مواطن الأحاديث والآثار الواردة فيه.
على أن فكرة (أصول الأحاديث الضعيفة) لم يكن منشؤها كتاب ابن بدر الموصلى قط، بل كنت قد هممت بإدراج بعضها في عمل آخر يشتمل على جملة من الفوائد الحديثية والأقوال المأثورة والأدعية والمواعظ والأحكام المتناثرة - حَسْب ما يفتح به الله ﷿ لكننى تراجعت عن ذلك، وآثرت إفراد هذه الفكرة في تصنيف مستقل مع إصداره في أقسام لأنَّ استيعاب جميع هذه الأحاديث ذات الأصول أمر يشبه المحال مع ما يقتضيه من المشقة الشديدة والبحث الدؤوب المتواصل.
وجعلت شرطى في هذا الكتاب أن يصح السند إلى القائل الحقيقى للحديث غير الصحيح (سواء أكان ضعيفًا أو واهيًا أو موضوعًا أو لم يوقف له على أصل ألبتة)، وقد أتجاوز عن هذا الشرط في بعض المواطن لاعتبارات معينة كأن يحتمل وجود متابع أو شاهد للسند الَّذي أوردت الموقوف من طريقه، أو لجزم بعض أهل العلم بأنه الأشبه، أو لاكتشاف مطعن في إسناده بعد الفراغ من تخريج طرقه المرفوعة وبيان ما فيها، فلم أشأ حذفه بعد ذلك.
وكل هذا قليل بل نادر، وهو خلاف الأصل في هذا الكتاب والحقيقة أن هذه الفكرة مشابهة ومكملة - بل ومتداخلة - مع فكرة (البدائل المستحسنة) التي وفقنى الله ﷿ لإِصدار القسم الأول منها (١: ٢٥) إلا أننى لم يكن مقصدى هناك استقصاء صحة نسبة الحديث الضعيف إلى أحد من السلف، ولكن أحيانًا يكون بديله الصحيح ثابتًا بمعناه عن أحدهم كما في حديث: "الأذان سهل سمح ... " فمعناه ثابت عن عمر بن عبد العزيز ﵀ خامس الخلفاء الراشدين - مقطوعًا عليه.
1 / 5
وحديث: "إن الله يحب الصمت عند ثلاث ... " ثبت موقوفًا على الصحابة ﵃ أنهم كانوا يحبون ذلك.
ولذلك يمكن للخطيب أو المحاضر أن يستفيد من الكتابين على النحو التالى: فإذا كان موضوع الخطبة عن مجاهدة النفس فبعد إيراد الآيات كنحو قوله تعالى: ﴿وَجَاهِدُوا في اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ﴾ والأحاديث كقوله ﵌: "المجاهد من جاهد نفسه في الله ﷿" و"أفضل الجهاد من جاهد نفسه في ذات الله ﷿"، فله أن يدعم ذلك بالآثار كالذى ثبت عن إبراهيم بن أبى عبلة - التابعي الجليل - أنَّه قال لمن جاء من الغزو: قد جئتم من الجهاد الأصغر، فما فعلتم في الجهاد الأكبر؟ قالوا: يا أبا إسماعيل، وفي الجهاد الأكبر، قال: جهاد القلب، مع توجيه معناه الوجهة الصحيحة بما لا يتوهم منه الحط من شأن مجاهدة العدو من الكفار والمنافقين.
وإذا كان يحاضر في فضيلة التوبة فبعد إيراد الآيات والأحاديث الكثيرة الطيبة، له أن يستشهد بقول الشعبى ﵀:
(التائب من الذنب كمن لا ذنب له) ثم قرأ ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ﴾. فإن كتاب الله ﷿ يشهد لصحة هذا القول، بل على أفضل منه كقوله تعالى: ﴿فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ]. ولا حرج على فضل الله ﷿.
هذا لمن أراد أن يستبرئ لدينه ويسلم من الكذب والغلط على النبي ﵌، فقد علمنا النبي ﵌ أن من حدث بكل حديث يسمعه أو يتناهى إلى علمه بوسيلة من الوسائل، فسيقع في الكذب عليه لا محالة، فقال: "كفى بالْمَرء كذبًا أن يحدث
1 / 6
بكل ما سمع" ويبين قوله ﵌: "بئس مطية الرجل: زعموا" إن الَّذي يكثر من الحكايات والروايات التي لا يعلم أصلها ولا صحتها، والتى من شأنها أن يولع بها السامعون وتقع منهم موقع القبول، هو رجل مذموم.
وحذَّر ﵌ أصحابه وأمته أن ينسبوا إليه غير الحق فقال- وهو على المنبر - "يا أيها الناس، إياكم وكثرة الحديث عنى. من قال عَلىَّ فلا يقولن إلا حقًّا أو صدقًا، فمن قال عَلَيَّ ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار (*) ".
ألا فليتق الله رجال ونساء - نحسبهم من أهل الخير والفضل - يستطيع الواحد منهم أن يسوق عشرة أحاديث في نفس واحد، لعل النبي ﵌ لم يقل منها حرفًا واحدًا! مع خوف الفتنة العظيمة عليه فإن عوام السامعين يولعون بالغرائب والعجائب والمبالغات التي لا يصح منها إلا القليل.
ولا يشفع لهؤلاء الكرام رغبتهم في الخير، وشدة تأثير كثير من الأحاديث الواهية والموضوعة على نفوس كثير من الناس، ولا الرغبة في كان محاسن هذه الشريعة وسماحتها ولا غير ذلك من الأغراض الشريفة الطيبة فإن الخبيث لا يمحو الخبيث و(إن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا) وما مبدأ (الغاية تبرر الوسيلة) إلا أحد مبادئ الغرب الكافر، والمفتونين به.
ولنا في كتاب الله ﷿ والأحاديث الصحيحة والحسنة وآثار الصحابة والتابعين والسلف الصالح بعامة، ما يشفى الصدور ويَسُدّ الخلة.
_________
(*) رواه أحمد (٥/ ٢٩٧) والحاكم (١/ ١١١) وصححه على شرط مسلم، وإسناده جيد.
1 / 7
وإني مورد في هذا الكتاب الَّذي سميته: [تبييض الصحيفة بأصول الأحاديث الضعيفة] خمسين حديثًا - بمثابة القسم الأول منه - انتخبتها من كتب شتى وتحققت من صحة غالبها عن أحد الصحابة أو التابعين وتابعيهم، وقد يصح بعضها عن غير واحد منهم كحديث: "الحكمة ضالة المؤمن" وحديث: "خير الأمور أوساطها". أما كان حجيتها ومدى صلاحيتها للاحتجاج أو الاستشهاد، فكثيرًا ما أتجاوزه، وأدعه لأهل الشأن والاختصاص وفقًا لما تمليه عليهم القواعد العلمية للاستدلال والاستنباط، وقد أنشط لذلك أحيانا لا سيما إذا كان الموقوف من الأمور التي لا مجال للرأى والاجتهاد فيها. وعسى أن يكون هذا الكتاب خطوة أولى في خدمة آثار السلف الصالح وتمييز صحيحها من سقيمها، حيث لم تلق الآثار من العناية والاهتمام ما لقيته أحاديث النبي ﵌. والله أسأل أن يبارك لى في وقتى وعمرى وعملى وأن يجعله كله صالحًا ولوجهه الكريم خالصا. وأن يرزقني وإخواني العلم النافع والعمل الصالح والحياة الطيبة.
وكتبه: محمد عمرو بن عبد اللطيف.
القاهرة في: الثامن عشر من شوال ١٤٠٨ هـ.
1 / 8
الحديث الأول:
" إذا أحب الله عبدًا ابتلاه ليسمع تضرعه".
ضعيف. رُوِى عن أبى هريرة مرفوعا، وعن عبد الله بن مسعود وعمرو بن مرة الجملى موقوفًا.
١ - حديث أبى هريرة: رواه هناد في "الزهد" (٤٠٥) وابن حبان في "المجروحين" (٣/ ١٢٢) والديلمي في "مسند الفردوس" (١) من طريق يحيى بن عبيد الله عن أبيه عنه به. وإسناده ضعيف جدًا، يحيى هذا قال الحافظ ﵀ في "التقريب" (٧٥٩٩): "متروك". وأبوه هو عبيد الله بن عبد الله بن موهب، أبو يحيى التيمي المدني، قال الحافظ (٤٣١١): "مقبول" أي إنه لين الحديث حيث لم يتابع كما بين الحافظ في مقدمة "التقريب" (ص ٧٤ بتحقيق محمد عوامة). ورواه أيضًا البيهقي في "شعب الإِيمان" كما في "الجامع الصغير" (٣٥٣).
٢ - أثر ابن مسعود، ٣ - أثر عمرو بن مرة: رواهما الطبراني في "الأوسط" (٢/ ١٤٤) أولًا من طريق أبي جابر محمد بن عبد الملك عن شعبة عن عمرو بن مرة قال: "إن مما أنزل الله ﷿: إن الله ليبتلي العبد وهو يحبه، ليسمع تضرعه" ثم بنفس الإِسناد من طريقه أيضًا عن شعبة عن حماد عن أبي وائل عن عبد الله بن مسعود قال: "مثله". وكلاهما ضعيف.
قال الحافظ الهيثمي ﵀ في "مجمع الزوائد" (٢/ ٢٩٥): (وفيه محمد ابن عبد الملك، قال أبو حاتم: ليس بالقوى).
قلت: (وقد خولف)، فقد رواه ابن أبي الدنيا (ص ٢٣) وعنه التنوخى (١/ ١١٣، ١١٤)
_________
(١) كما في "تسديد القوس" للحافظ ابن حجر ﵀ على حاشية "فردوس الأخبار" (١/ ٣١١).
1 / 9
كلاهما في "الفرج بعد الشدة" عن علي بن الجعد قال: أخبرنى شعبة عن عمرو بن مرة قال: سمعت أبا وائل يحدث عن كردوس بن عمرو، وكان ممن قرأ الكتب قال: (٢) [فيما أنزل الله من الكتب]: "إن الله ﷿ يبتلى العبد وهو يحبه ليسمع تضرعه". وإسناده صحيح إلى كردوس (٣) هذا. وعلي بن الجعد هو الجوهرى البغدادى، ثقة ثبت، من أثبت أصحاب شعبة. ولكن يبدو أن أبا جابر - محمد بن عبد الملك المتقدم ذِكره - كان يضطرب فيه، فقد جاء أيضًا عنه على الصواب كما رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء" (٤/ ١٨٠) من طريقه عن شعبة عن عمرو بن مرة عن أبى وائل عن كردوس بنحوه.
ورواه - قبلها - من طريق منصور عن شقيق (وهو ابن سلمة أبو وائل) عن كردوس قال: كنت أجد في الإِنجيل إذ كنت أقرأ: "إن الله ليصيب العبد بالأمر يكرهه - وإنه ليحبه - لينظر كيف تضرعه". وإسناده جيد. أما ما حكاه الحافظ المناوى في "فيض القدير" (١/ ٢٤٦) عن الحافظ العراقى - رحمهما الله - أنَّه - أي حديث الترجمة يتقوى بتعدد طرقه فلم أجده عنه في "تخريج الإِحياء"، وفيه من النظر أنَّه لا يعلم له إلا طريقان تقدمتا، إحداهما واهية، والأخرى مُعَلَّة - صوابها: "أبو وائل عن كردوس" ومرجعها إلى الإسرائيليات المتلقاة من صحف أهل الكتاب، والتى لم نؤمر بتصديقها ولا تكذيبها.
نعم، وفى الباب حديثان واهيان - بأطول من هذا اللفظ - وهما:
١ - ما رواه الطبرانى في "الكبير" (٨/ ١٩٥) من طريق عفير بن معدان عن سليم بن عامر عن أبي أمامة مرفوعًا: "إن الله ﷿ يقول للملائكة: انطلقوا إلى عبدى فصبوا عليه البلاء صبًا، فيأتونه فيصبون عليه البلاء، فيحمد الله، فيرجعون فيقولون: يا ربنا صببنا عليه البلاء صبًا لما أمرتنا، فيقول: ارجعوا فإنى
_________
(٢) زيادة: في كتاب ابن أبي الدنيا.
(٣) وهو تابعى مخضرم، وهم بعضهم فأورده في "الصحابة". قال ابن معين: مشهور، وذكره ابن حبان في "الثقات".
1 / 10
أحب أن أسمع صوته". وإسناده ضعيف جدًا، عفير هذا واهٍ. قال ابن معين: لا شيء. وقال أبو حاتم: سمعت دحيمًا يقول: عفير بن معدان ليس بشيء، لزم الرواية عن سليم بن عامر. وشبَّهه بجعفر بن الزبير وبشر بن نمير (٤). وقال أبو حاتم أيضًا: هو ضعيف الحديث، يكثر الرواية عن سليم بن عامر عن أبي أمامة عن النبي ﵌ بالمناكير ما لا أصل له، لا يشتغل بروايته. كما في "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم (٧/ ٣٦). والحديث رواه الشجرى في "أماليه" (٢/ ٢٨٢) من طريق الطبرانى به.
٢ - وروى ابن أبي الدنيا من طريق بكر بن خنيس عن يزيد الرقاشي عن أَنس- كما قال العراقي (٤/ ١٣٢) - قال: قال رسول الله ﵌: "إذا أحب الله عبدًا، أو أراد أن يصافيه، صب عليه البلاء صبًا، وثجه عليه ثجا (٥). فإذا دعا العبد قال: يارباه، قال الله: لبيك عبدى لا تسألنى شيئًا إلا أعطيتك، إما أن أعجله لك، وإما أن أدخره لك"كما في "الترغيب والترهيب" (٤/ ٥٢٦) وجزم الحافظ المنذرى بضعفه، فصدَّره بصيغة التمريض: "ورُوِى". وإسناده واهٍ جدًا، بكر بن خنيس قال الدارقطني وجماعة: متروك. ويزيد الرقاشي متفق على تضعيفه، وتركه النسائي أيضًا وقال شارح الترغيب ﵀: "حديث ركيك متهافت".
ورواه الديلمى من طريق يزيد الرقاشي عن أَنس (٦) بأطول منه وفيه: "فإذا دعا العبد قال جبريل: أي رب، اقضِ حاجته. فيقول الله تعالى: دعه، فإني أحب أن أسمع صوته فإذا دعا يقول الله ﷿: لبيك عبدى ... "الحديث:
والحديثان أوردهما الحافظ العراقى (١/ ٣٠٦) - في تعليقه على حديث الترجمة
_________
(٤) أي وهما متروكان متهمان بالكذب.
(٥) قال شارح الترغيب في قوله: "وثجه عليه ثجا": الثج هو الصب، وهذا التكرار دليل على ضعف الحديث.
(٦) قاله الحافظ في "تسديد القوس" كما في حاشية "الفردوس" (١/ ٣١٢).
1 / 11
كأنه لم يستحضره وقتئذ- وقال (وسندهما ضعيف).
نعم، الجملة الأُولى من حديث الترجمة ثابتة عن النبي ﵌ من وجوه -بدون التعليل- أعنى قوله: "ليسمع تضرعه".
١ - فروى الإمام أحمد في "مسنده" (٥/ ٤٢٨) عن محمود بن لبيد أن رسول الله ﵌ قال: "إذا أحب الله قومًا ابتلاهم، فمن صبر فله الصبر، ومن جزع فله الجزع". وإسناده جيد، ومحمود صحابى صغير، وجل روايته عن الصحابة كما في (التقريب) [٦٥١٧]. فمرسله حجة على الصحيح.
٢ - وله شاهد ضعيف رواه الترمذي (٢٥٠٧) وغيره من طريق سعد بن سنان عن أَنس، وزاد في أوله: "إن عظم الجزاء مع عظم الابتلاء".
٣ - وروى أحمد في "الزهد" (ص ٥٢) عن وهب بن منبه ﵀ مرفوعًا مرسلًا: "إن الله ﷿ إذا أحب قوما ابتلاهم". ورجاله ثقات.
٤ - وبمعناه ما رواه البخاري (٧/ ١٤٩) وغيره عن أبي هريرة مرفوعا: "من يرد الله به خيرًا يصب منه" قال الحافظ المنذرى (٤/ ٥٢٦): "أي يوجه إليه مصيبة ويصبه ببلاء".
والأحاديث في فضل الابتلاء والصبر عليه كثيرة جدًا تنظر في مثل "الترغيب" و"جامع الأصول" للإِمام ابن الأثير الجزرى ﵀.
وقد دل كتاب الله ﷿ على أنَّه يبتلى الأمم التي لم تستجب لدعوة رسله،
ويأخذهم بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون له وينيبون إليه، فقال تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ (٤٢) فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (٤٣) فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ (٤٤) فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ
1 / 12
الْعَالَمِينَ﴾ [الأنعام ٤٢: ٤٥].
وقال تعالى: ﴿ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا بربهم وما يتضرعون حتَّى إذا فتحنا عليهم بابًا ذا عذاب شديد إذا هم فيه مبلسون﴾.
[المؤمنون ٧٦: ٧٧].
والذي لا ريب فيه أن الرب جل وعلا يحب من سائر العباد أيضًا أن يظهروا له التضرع والاستكانة والذل له والإِخبات إليه تعالى، فالتضرع داخل في جملة أسباب الابتلاء المعروفة من امتحان الله للعباد حتَّى يعلم- تعالى- صدق إيمانهم وصلابة عقيدتهم، ولتكفير ذنوبهم وخطاياهم، ورفع لدرجاتهم ومنزلتهم عنده، ولاستعتابهم فيما بقى من أعمارهم. والله أعلى وأعلم.
الحديث الثانى:
" إذا أراد الله بعبد خيرًا فقهه في الدين وألهمه رشده".
رفعه منكر. رواه البزار (١٣٧ - كشف الأستار) - واللفظ له (٧) - وعبد الله بن أحمد في "زوائد الزهد" (ص ١٦١) وعنه الطبرانى). (١٠/ ٢٤٢) - بدون آخره - وابن عدى في "الكامل" (١/ ١٧٩) وأبو نعيم (٤/ ١٠٧) من طريق أحمد بن محمد بن أيوب ثنا أبو بكر بن عياش عن الأعمش عن أبى وائل عن ابن مسعود مرفوعًا به.
وقال البزار: "لا نعلمه يروى عن عبد الله إلا من هذا الوجه".
وقال أبو نعيم: "غريب من حديث الأعمش" تفرد به أبو بكر بن عياش،
_________
(٧) آثرنا لفظ البزار حتَّى لا يتبادر إلى أذهان القراء الكرام أن قوله ﵌: "من يرد الله به خيرًا، يفقهه في الدين" حديث ضعيف، لا يصح فلم نورده بلفظ الآخرين.
1 / 13
واختلف في اسمه فقيل: اسمه كنيته، وقيل: اسمه شعبة".
وقال ابن عدى في أول الترجمة - ترجمة أحمد بن محمد بن أيوب - "وحدث عن أبي بكر بن عياش بالمناكر". وقال عقب الحديث: "ولم يحدث به عن ابن عياش غير ابن أيوب".
وقال الذهبي في ترجمة ابن أيوب من "الميزان" (١/ ١٣٣): " ... وله ما ينكر، فمن ذلك مما ساقه ابن عدى أنَّه روى عن أبي بكر بن عياش ... " فذكر هذا الحديث.
وقال الحافظ في "التقريب" (٩٣): "صدوق كانت فيه غفلة، لم يدفع بحجة. قاله أحمد".
قلت: وشيخه أبو بكر بن عياش- وإن احتج به البخارى- ففيه مقال أيضًا، قال الحافظ (٧٩٨٥): "ثقة عابد، إلا أنَّه لما كبر ساء حفظه، وكتابه صحيح". وقد (خالفه) جماعة من الثقات الحفاظ من أصحاب الأعمش فأوقفوه. فرواه أبو خيثمة في "العلم" (٥٧) عن جرير بن عبد الحميد الرازي، والإِمام أحمد في "الزهد" (ص ٣٧٨) عن سفيان الثورى، ووكيع في "الزهد" (٢٢٩) وعنه ابن أبي شيبة (١٣/ ٤٤٤) ثلاثتهم عن الأعمش فقالوا: "عن أبى سفيان عن عبيد بن عمير الليثي قال: من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين، ويلهمه رشده فيه". وإسناده جيد.
ورواه أبو نعيم (٣/ ٢٩٦) من طريق الإِمام أحمد فقال: "عن وكيع" بدلًا من "ابن مهدى عن الثورى" وقال: "كذا رواه وكيع عن الأعمش عن أبي وائل عن عبد الله بن مسعود مرفوعًا مثله".
قلت: هذا يعارض كلام البزار المتقدم، بل كلام أبى نعيم نفسه حيث قال: "تفرد به أبو بكر بن عياش "وقد تقدم أيضًا فلو صح أن وكيعا حدث به مرة كما قال أبو نعيم- وهذا ما لا نعلمه ثابتًا عنه- فالراجح الَّذي رواه غير واحد
1 / 14
عنه رواية الوقف، بمتابعة الثورى وجرير.
وقال علامة الشام الشيخ الألبانى حفظه الله في "تخرج العلم": "إسناده موقوفًا على عبيد بن عمير صحيح، وقد رواه البزار والطبرانى من حديث ابن مسعود مرفوعًا بإسناد لا بأس به على ما قاله المنذرى.
قلت: ثم تبين لى أن فيه نكارة، وشهد بذلك الذهبي كما شرحت ذلك في "الأحاديث الضعيفة" (٥٠٣٢) اهـ.
قلت: وعندى أن منشأ الوهم في روايته عن الأعمش من حديث ابن مسعود مرفوعًا أن الأعمش قد حدَّث به بإسناد آخر موقوفًا على ابن مسعود، وهو ما رواه أبو خيثمة (٣) عن جرير، والطبرانى (٩/ ١٦٤) عن زائدة كلاهما عن الأعمش عن تميم بن سلمة عن أبي عبيدة قال: قال عبد الله: "من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين".
ورجاله ثقات لكنه منقطع، أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود لم يسمع من أبيه كما نص عليه غير واحد من الأئمة. لكنه ثابت عن النبي ﵌ من حديث معاوية ﵁ كما في "الصحيحين" وغيرهما. أما زيادة: "ويلهمه رشده" - فهي من قول عبيد بن عمير الليثي ﵀، وهو تابعي جليل مجمع على ثقته ومعناها صحيح لا ريب فيه. والله أعلى وأعلم.
الحديث الثالث:
" أربع من أعطيهن أعطى خير الدنيا والآخرة: قلبًا شاكرًا، ولسانًا ذاكرًا، وبدنًا على البلاء صابرًا، وزوجة لا تبغيه خونا في نفسها ولا ماله".
ضعيف. رواه ابن أبي الدنيا في "الشكر" (٣٤) والطبرانى في "الكبير" (١١/ ١٣٤) وأبو نعيم (٣/ ٦٥) من طرق عن محمود بن غيلان المروزي نا المؤمل ابن إسماعيل، نا حماد بن سلمة، نا حميد الطويل، عن طلق بن حبيب، عن ابن
1 / 15
عباس مرفوعًا به. وقال محقق "المعجم الكبير" - حفظه الله - "ورواه في الأوسط ١٩١ مجمع البحرين بنفس السند والمتن، فلا معنى لقول الهيثمي في المجمع ٤/ ٢٧٣: ورجال الأوسط رجال الصحيح. فهو في الكبير بنفس السند.
قال المنذرى في الترغيب ٣/ ٢٠٦: رواه الطبرانى بإسناد جيد. وضعَّفه شيخنا في سلسلة الضعيفة ١٠٦٦ "اهـ.
قلت: لأنَّ مداره على مؤمل بن إسماعيل العدوى، وهو صدوق سيئ الحفظ كما في "التقريب" (٧٠٢٩). نعم، وثقه ابن معين وغيره ولكن جرحه جماعة من الأئمة جرحًا مفسرًا، ووصفوه بكثرة الخطأ وسوء الحفظ.
وما أحسن قول الإِمام يعقوب بن سفيان الفسوى: "ومؤمل بن إسماعيل سنى شيخ جليل، سمعت سليمان بن حرب يحسن الثناء عليه يقول: كان مشيختنا يعرفون له ويوصون به، إلا أن حديثه لا يشبه حديث أصحابه، حتَّى ربما قال: كان لا يسعه أن يحدث. وقد يجب على أهل العلم أن يقفوا عن حديثه ويتخففوا من الرواية عنه فإنه منكر يروى المناكير عن ثقات شيوخنا، وهذا أشد، فلو كانت هذه المناكير عن ضعاف لكنا نجعل له عذرًا" كما في "المعرفة" (٣/ ٥٢).
وقال الإِمام محمد بن نصر المروزي ﵀: "المؤمل إذا انفرد بحديث وجب أن يتوقف ويتثبت فيه لأنَّه كان سيئ الحفظ، كثير الغلط". كما في "التهذيب" (١٠/ ٣٨١). ومن تتبع مخالفاته التي أوردها له ابن أبي حاتم ﵀ في "علل الحديث" ووقف على أوهامه ومناكيره، علم علم اليقين صحة اتصافه بما قدمنا، ولا جرم قال الإِمام البخاري ﵀: "منكر الحديث". وقد تفرد المؤمل برفع هذا الحديث ووصله.
قال أبو نُعيم: "غريب من حديث طلق، لم يروه متصلًا مرفوعًا إلا مؤمل عن حماد".
قلت: كأنه ﵀ يشير إشارة خفية إلى وروده من طريق أخرى غير مرفوعة
1 / 16
كما يأتى.
والحديث رواه أيضًا الضياء المقدسي في "الأحاديث المختارة" (٢٨٣/ ٢) من طريق الطبراني، ومن طريق أبى نعيم أيضًا كما في "الصحيحة" (١٠٦٦) (٨). وقد وقف له الشيخ الألباني على طريق أخرى لا يُفرح بها - من حديث أَنس - فقال: " ... أخرجه أبو نعيم في "أخبار أصبهان" (٢/ ١٦٧) عن هشام بن عبيد الله الرازي: ثنا الربيع بن بدر: ثنا أبو مسعود: حدثني أَنس بن مالك مرفوعًا به.
قلت: وهذا إسناد واهٍ جدًا.
١ - هشام بن عبيد الله الرازي فيه ضعف.
٢ - الربيع بن بدر، متروك شديد الضعف.
٣ - أبو مسعود هذا لم أعرفه" اهـ.
كذا قال، وهذا منه عجيب - حفظه الله - فإن تمام كلام أبي نعيم: "أبو مسعود هو سعيد بن إياس الجريرى "اهـ.
وهو ثقة كان قد اختلط، ولم أجد له رواية عن أَنس في ترجمة كل منهما من "تهذيب الكمال" للحافظ المزى، فلعله من تخبط الربيع بن أَنس وأمثاله من المتروكين.
وبعد، (فالأشبه) أن هذا الكلام موقوف على طلق بن حبيب نفسه، فقد رواه ابن أبي شيبة (١٣/ ٤٨٧) عن محمد بن بشر العبدى قال: حدثني عتبة بن قيس عنه قال: "أربع من أوتيهن أوتى خير الدنيا والآخرة: من أوتى لسانًا ذاكرًا، وقلبًا شاكرًا، وجسدًا على البلاء صابرًا، وزوجة مؤمنة لا تبغيه في نفسها خونًا". وعتبة ابن قيس هو القراط الكوفي، وهو مستور روى عنه أيضًا ابن عيينة ومسعر، ووثقه ابن حبان (٧/ ٢٧١) ومع ذلك فالوقف أشبه، والمستور لا يرد حديثه بإطلاق لا سيما في مثل هذه الموقوفات والمقاطيع. وكأنه شُبِّه على مؤمل بن إسماعيل هذا
_________
(٨) وانظر بحث الشيخ حول هذا الحديث فإنه متين جدًّا.
1 / 17
الأثر، فوصله ورفعه عن طلق عن ابن عباس. والله أعلم.
نعم، صحت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلبم أحاديث أخرى بغير هذا اللفظ منها حديث ثوبان قال: لما نزلت ﴿وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ﴾.
قال: كنا مع رسول الله ﵌ في بعض أسفاره فقال بعض أصحابه: أنزلت في الذهب والفضة، لو علمنا أي المال خير فنتخذه. فقال: "أفضله لسان ذاكر، وقلب شاكر، وزوجة مؤمنة تعينه على إيمانه". رواه الترمذي وابن ماجة وغيرهما، وهو في "فضل المرأة الصالحة" (١) يسَّر الله خروجه.
الحديث الرابع:
" أربع لا يصبن إلا بعجب: الصمت - وهو أول العبادة - والتواضع، وذكر الله، وقلة الشيء".
موضوع. رواه الطبراني (٩) (١/ ٢٥٦) وابن حبان في "المجروحين" (٢/ ١٩٦) وابن عدى (٢/ ٦٩٧) والحاكم (٤/ ٣١١) وغيرهم من طريق أبى معاوية الضرير عن العوام بن جويرية عن الحسن عن أَنس مرفوعًا به.
وقال الحاكم: "هذا حديث صحيح الإِسناد ولم يخرجاه". فتعقبه الذهبي بقوله: "قلت: قال ابن حبان في العوام: يروى الموضوعات". وقال في "الميزان" (٣/ ٣٠٣) - بعد إيراد هذا الحديث في ترحمة العوام هذا - "قلت: والعجب أن الحاكم أخرجه في "المستدرك". وقال ابن عدى: "الأصل فيه موقوف من قول أَنس".
وقال الحافظ المنذرى في "الترغيب" (٣/ ٧٩٤): " ... ورُوِى عن أَنس موقوفًا عليه، وهو أشبه أخرجه أبو الشيخ في "الثواب" وغيره".
_________
(٩) ولفظه "الصبر" بدلا من "الصمت".
1 / 18
قلت: لم أطلع على سنده في "الثواب" لأنَّه ليس بمتناول الأيدى الآن، ولكن رواه ابن أبي عاصم في "الزهد" (٤٨) وابن أبي الدنيا في "الصمت" (٥٥٦) من نفس الطريق المتقدمة المحكوم بوضعها - عن أَنس موقوفًا.
وروى هناد (١١٣٠) من طريق الوصافى عن العوام عن الحسن مرفوعا مرسلًا بعضه، ولفظه: "أول العبادة الصمت". وهذا أوهى مما قبله من وجهين:
الأول: أن فيه - مع العوام - عبيد الله بن الوليد الوصافى وهو واهٍ.
الثانِى: أنَّه مرسل ومراسيل الحسن من أضعف المراسيل عندهم على الراجح، فإن بعضهم قواها.
وقال ابن أبى حاتم في "علل الحديث" (٢/ ١١٤): "سألت أبي عن حديث رواه يحيى بن حسان عن أبي معاوية الضرير ... " (فذكره). قال أبي: إنما يروى عن الحسن فقط. وقال بعضهم: الحسن عن أَنس قوله.
قلت: وأيضًا لم أقف عليه عن الحسن من قوله إلى الآن، وأما عنه عن أَنس فلم أجده إلا بالسند المتقدم ذكره. وإنما (صح) عن الثورى ووهيب بن خالد - رحمهما الله - أنهما نسباه إلى عيسى بن مريم ﵉ بنحوه.
١ - فروى هناد (١١٣١، ٥٩٤) عن قبيصة عن الثورى قال: قال عيسى بن مريم ﵇: "أربع هن عجب، ولا يحفظن إلا بعجب: الصمت، وهو أول العبادة، وذكر الله على كل حال، والتواضع، وقلة الشيء". وإسناده صحيح.
٢ - وروى ابن المبارك في "الزهد" (٦٢٩) وعنه أبو نعيم (٨/ ١٥٧) قال: أخبرنا وهيب قال: قال عيسى بن مريم: "أربع لا تجتمع في أحد من الناس إلا بعجر، أو: إلا يعجبه: الصمت، وهو أول العبادة، والتواضع لله، والزهادة في الدنيا، وقلة الشيء". وإسناده صحيح أيضًا. فهذا من الإِسرائيليات التي أذن لنا في التحديث بها - ولا حرج - بغير تصديق ولا تكذيب. والله أعلى وأعلم.
1 / 19
الحديث الخامس:
" ارحموا عزيز قوم ذل، وغنى قوم افتقر، وعالمًا بين جهال".
منكر. رُوِى من حديث أَنس - من طريقين عنه - وابن عباس وابن مسعود - وبلفظ آخر - عن أبي هريرة.
١ - حديث أَنس:
من الطريق الأُولى: رواه ابن حبان في "المجروحين" (٢/ ١١٨) وعنه ابن الجوزى في "الموضوعات" (١/ ٢٣٧) من طريق يوسف بن هاشم أبي الميمون قال: حدثنا يزيد بن أبي الزرقاء الموصلى قال: حدثنا عيسى بن طهمان عنه به، بلفظ: "ارحموا من الناس ثلاثة ... "الحديث.
ورواه العسكرى في "الأمثال" والسليماني في "الضعفاء" من حديث زيد (لا يزيد) بن أبي الزرقاء كما في "المقاصد" (ص ٤٩) ولعله الصواب. لقول الآجرى: "سألت أبا داود عن عيسى بن طهمان فقال: لا بأس به". قلت: بصرى؟ قال: قال لي ابن أبي الزرقاء سمع منه أبي بالكوفة، فقال أبو داود: أحاديثه مستقيمة" كما في "تاريخ بغداد" (١١/ ١٤٣).
وابن أبي الزرقاء الَّذي يروى عنه أبو داود هو هارون بن زيد بن أبي الزرقاء كما في "التهذيب" (١١/ ٥).
وقال ابن حبان - في ترحمة عيسى بن طهمان الكوفي، أبي ليث - "ينفرد بالمناكير عن أَنس ويأتى عنه بما لا يشبه حديثه، كأنه كان يدلس عن أبان بن أبي عياش ويزيد الرقاشي عنه، لا يجوز الاحتجاج بخبره، وإن اعتبر بما وافق الثقات من حديثه فلا ضير. وهو الَّذي روى عن أَنس بن مالك .. "فذكر الحديث.
وقال السليماني: "الحمل فيه على عيسى بن طهمان".
وقال ابن طاهر في "معرفة التذكرة" (١٠٢): "فيه أبو البخترى وهب بن
1 / 20